من الرُب إلى الرب

مِن الرُّب إلى الرَّب

ليحقّق الإنسان غاية وجوده يبحث جاهداً عن كماله، وليرقى في كماله يدرس أولويات أعماله ليحصِّل الأحسن منها، وإذا طرق في دراسته باب الوحي فإنّ جواب سيّد الأولويات في بني البشر يجيبه صادحاً: "الناسُ كلُّهم عيال الله وأحبّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله".

إنّها القيمة الكبرى لخدمة الناس ونفعهم والتي كان لأجلها يترك السبط الأول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طوافه حول البيت حالة اعتكافه في المسجد الحرام مقدِّماً خدمة الناس على هذه العبادة العظيمة، والتي لأجلها قدَّم السبط الثاني نفسه وأهل بيته وأصحابه في فدائه الأعظم.

إنّها القيمة التي تشكّل مداد الجمال والرونق والشرف للعمل البلدي الهادف لرسم لوحة الجمال من آدم للأديم بعدما شكّل النفخ الرباني جمال آدم من أديمه.

فكيف إذا كان الأديم مباركاً بركة التاريخ بجغرافيته حول بيت المقدس على ما استوحاه صدرُ الوطن المغيَّب.

وكيف إذا كان الأديم أديماً جُبل مع دماء الشهداء وعرق المجاهدين فازدادت تربته حمرة قانية مبلَّلة بذلك الندى النوراني.

وكيف إذا كان آدم ذلك الأديم قد رسم الزمان الغابر على وجهه لوحة الحرمان بقلم الإقطاع الذي أراد أن تكون "رُبَّ" حرف جرّ زائد لا يكترث له السلطان ويجرُّ به ما يريد من الأعداد ولو بلغوا الثلاثين.

ولم يعلم أنّ ذلك الفلاح سيخلع فاتحاً نير الذلّ الذي ضمَّه ويشقّ بسكّة جهده وجهاده مستقبل جيل يفتح الراء بعد ضمِّها لتخلع عنها لباس الحرف وتلبس ثوب الاسم المنشد قصيدة الحرية: "لم نَعُد أعداداً تسوَّر بالعشرات تجرُّها ذيول السلطان الزائدة بل أصبحنا بالتوكُّل على الربّ المقتدر أرباب الأرض الغالية، قدّمنا لتحريرها الدماء ونقدِّم لنموها جهداً وسهراً وعناء علَّنا بذلك نسير في درب الغاية الأولى خلافة الله في أرضه".

المناسبة: كلمة لمجلة العمل البلدي في رب ثلاثين.
المكان: رب ثلاثين.
الزمان: 2010.