اللوحة الناطقة
للعلم قيمة تظهر بدءاً في ﴿اقْرَأْ﴾ وتستمر في ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ وترتفع في ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ لكن رفعة العلم هذه لا يحملها العلم بنفسه، بل لا بد له من رافعة أخرى، ألا وهو العمل الصالح، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ العمل الذي بيّنه القرآن الكريم غاية للخلق فقال تعالى:﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وبينه خاتم الأنبياء منجياً بل المنجي فقال: «لا ينجي إلا عمل مع رحمة». فالعلم والعمل يتزاوجان في مسيرة رقيِّ الإنسان وكماله.
والصورة الأبرز لهذا التزاوج بين العلم والعمل هي في لوحة الجهاد والشهادة. فالجهاد هو أشرف الأعمال بعد الإسلام كما ورد على لسان الإمام علي(عليه السلام).
ومداد العلماء لا تصل إلى ذروة كمالها إلا حينما تتحول دماء في عروق المجاهدين والشهداء.
فإذا كان الجهاد أشرف الأعمال فإنَّ أشرف العلوم ما يكتب على صفحات الجهاد ويلقى في قاعاته ويرسم في لوحاته. ولوحات الجهاد متنوعة:
فلوحة نطقت حياةً لا نراها إلا بآثارها في الأمة ألا وهي لوحة الشهداء ولوحة حُسبت شمعة فحسبت لتنطفئ، لكنها تعلمت كيف يُضيءُ الزيت ولو لم تمسسه نار فأضاءت، ألا وهي لوحة الأسرى، ولوحة نطقت حياة نرى آثارها ونراها فهي شهيد مشاهدة ألا وهي لوحة الجرحى إنها لوحة يرسمها الله تعالى بيد الجمال يوم القيامة بصورة الجريح البهية، عبَّر عنها خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله) بقوله: «من جُرح في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحه كريح المسك، ولونه كلون الزعفران عليه طابع الشهداء».
وهي في الدنيا لوحة تحكي بنفسها قصة الجهاد لتعلِّم الأمة دروسه ودروساً في التضحية والعطاء والصبر.
إنها لوحة نفيسة منحها الله للبنان كما منحها لفلسطين وبسببها منح الله نعمة الانتصار لهذا الوطن العزيز.
ولوحة جرحى الجهاد كما لوحة الشهادة والأسر يجب أن لا يقتصر فيها على النظر الآني والمشهد الفعلي، بل لا بدَّ أن تتحول لوحات الجهاد هذه إلى مشاهد حيَّة يعيشها المسلمون والعرب في مواقعهم المتنوعة ليأخذوا منها الدروس والعبر لتبقى المقاومة حاضرة في جيلنا، ولكي تتناقلها الأجيال ثقافةً أثبتت أنَّ دم الجهاد والشهادة والجرح والتضحية لا بد أن ينتصر على السيف الظالم، كما انتصرت دماء شهداء المقاومة الإسلامية على العدو الإسرائيلي في لبنان.
هنا تأتي المسؤولية الكبرى في نشر قصة المقاومة هذه: تاريخاً يكتب بصدق حتى لا تقرأ الأجيال المقبلة تاريخاً ينقلب فيه الأبطال إلى لصوص، والخونة إلى صانعي النصر.
وشعراً يشحذ همم الأجيال. وقصصاً تحكي واقع المجاهدين الشرفاء لترفد الأمة بعبق الجهاد
المناسبة: حفل توزيع جوائز أفضل قصة جريح.
المكان: نقابة الصحافة.
الزمان: 25/10/2000.