الفرج والانتظار

الفرج والانتظار

في مدينة الانتظار لفرج أهل البيت عليهم السلام، الذي ينبثق نوره بين الركن والمقام نطل على عنوان:" أهل البيت - انتظار وفرج ".

أهل البيت عليهم السلام ثقل النبوة الخاتمة المودع مع القرآن الكريم ليشكلا حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض وهو ضمانة المتمسكين به من الضلال.

ففي المسجدين العظيمين التقاء التوحيد والنبوة، وفي الحراء والبقيع التقاء وديعتي النبي الأعظم كتابه و عترته. وفرج أهل البيت عليهم السلام يتمثل بالأمل القادم المحقق لوعد الله " ليظهره على الدين كله " إنه النور الذي لا يزول من بصيرة المؤمنين مهما أدلـهمّ الليل ودمس الظلام، فالأمة التي لا ترى الأمل تبقى مهزومة.

وانتظار الفرج ليس انتظاراً من أحلاس البيوت، بل هو خروج وإخراج وتوسل، خروج باعث النور وإخراج الناس إليه وتوسل بمنوّر النور أن يعجّل بقربه ليكون اللقاء بلا حجاب.

وفي القرن العشرين كان الخروج الأعظم إلى نور الفرج القادم، خروج الإمام الخميني قدس سره من قم ليخرج الناس معه متوسلين بتلك الروحية المعنوية، فكان الانبثاق لثورة فدولة تنتظر النور بالسير إليه، وكانت نظرات الإمام الراحل إلى مدينة النور القادم " مكة " وما حولها ليوسع من دائرة انتشار النور وتعجيل ظهوره.

إنها إحدى فلسفات الحج التي عبّر عنها الإمام الرضا عليه السلام في كلامه عنها مع ما فيه (أي الحج ) من التفقه ونقل أخبار الأئمة عليهم السلام إلى كل صقع، فينتشر بذلك الهدى بين الناس.

وإنها إحدى مقاصد الإمام محمد الباقر عليه السلام الذي نقل عنه ولده الإمام جعفر الصادق عليه السلام :" قال لي أبي : يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى ".

وقد علّق الإمام الخامنئي دام ظله على هذه الرواية قائلاً : وهذه الرواية لم يقف عندها من بحث في حياة الإمام الباقر عليه السلام، وغفلوا عما فيها من دلالات كبيرة، لقد خلّف الإمام ثمانماية درهم، وأوصى أن يخصص جزء منها لمن يندبه في منى، وندب الإمام في منى له معنى كبير، إنه عملية إحياء ذلك المصدر الذي كان يشع دائماً بالتوعية والإثارة وخلق روح الحماس والمقاومة واختيار منى بالذات يعني مواصلة العمل وسط تمركز الوافدين من كل أرجاء العالم الإسلامي خلال فترة الاستقرار الوحيد في موسم الحج (انتهى كلام الإمام الخامنئي ).

والملاحظ في هذه الرواية أن الإمام عليه السلام ركّز في دعوته على الجانب الإيجابي في الدعوة إلى الحق وهو ذكر فضائل الإمام، وهذا مصداق للقاعدة التي سنها أهل البيت عليهم السلام لنشر الهدى وهي" إذا سمع الناس محاسن كلامنا اتبعونا". واليوم نحن نشهد في العالم نتائج هذه القاعدة المثمرة بسماع كلامهم عليهم السلام وبتطبيقه في سلوك أتباعهم، وقد لاحظنا ذلك واضحاً في الصحوة الإسلامية العالمية المتأثرة بخطابات الإمام الخميني قدس سره وحركته ومسلكه.

كما تجلى ذلك بنتاج غرسة الإمام الخميني قدس سره في لبنان وهي المقاومة الإسلامية والتي وفقت بخصوصيات عديدة أن يكون لها الدور الرائد في نشر مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل ومعارف أهل البيت عليهم السلام والتي من خلالها انجذب الكثير من الناس لأزيز الرصاص المتوجه إلى صدر العدو الإسرائيلي وبضربة الإزميل الحافر لكهف المقاومين. فأثبتت الرصاصة صدق المداد، وأثبت الإزميل صدق القلم، فكان ذلك الصدى الواسع لانتصار حزب الله في لبنان والذي شد قلوب الكثيرين للتعرف على الفكر الذي انطلق منه العمل المقاوم.

وكم طلب العديد من المسلمين من إخوانكم في لبنان بعد الانتصار أن يتعرفوا عل مدرسة أهل البيت عليهم السلام قاعدة المقاومة. أحدكم قال لأحد الإخوة، أريد كتباً تعرفني على تلك الثقافة التي صنعت الدولة في إيران فنجحت والمقاومة في لبنان فانتصرت...

ولكم توالت الرسائل إلى تلفزيون المنار الذي انجذب إليه الناس انجذابهم إلى المقاومة المباركة فأخذوا يسمعون ويشاهدون بعناية ما يشع منها، مما زاد الألفة بين المسلمين وقرّب بين قلوبهم وأزال غبار الشك والريب عن عقولهم، وفتح (الفتح القرآني) أرواح الناس لتطل على معارف أهل البيت عليهم السلام.

تكتب أخت من بلاد شمال أفريقيا رسالة إلى الإخوة في المنار تعترف في مقدمتها بالجهل الظالم لعقيدة أتباع أهل البيت عليهم السلام، ثم تعقب قائلة : إنا نسمع من إذاعتكم دعاء كميل ودعاء الصباح ودعاء أهل الثغور، إن هذه الأدعية تدخل إلى قلوبنا من غير استئذان.

ومما يزيد عمل المقاومة تألقاً وجاذبية لنشر تلك الفضائل المباركة هو استكمال تحرير بعض الأرض بالنجاح الذي وصل إليه حزب الله في قضية تبادل الأسرى الإسرائيليين بمئات المسلمين في سجون العدو. فقد أصر حزب الله في التفاوض أن تخرج المفاوضات عن دائرة الوطنية اللبنانية لتشمل الأمة الإسلامية والعربية ونجح بالاتفاق على الإفراج عن اربعماية فلسطيني وسوريين ومغاربة وسودانيين وليبي إضافة إلى إلجائه للعدو أن يعد بإطلاق الأردنيين الأسرى ليسجل معادلة جديدة لم يعهدها العدو الإسرائيلي من قبل.

فإن رجوع المسلمين بشكل ملحوظ وكبير إلى إسلامهم ودينهم وقيمهم وشعائرهم رغم الحملة الأميركية المركزة على استهداف الإسلام وقيمه وما يتبعه من بعض التوجهات الأوروبية : إن المشهد الإسلامي العام هذا والذي نراه في البلدان الإسلامية مع ما في بعضها من مشكلات قد يتوقع فيها نفور الناس من الإسلام..

بينما نجد مساجد الجزائر ممتلئة بالمصلين ومساجد تركيا كذلك إضافة إلى سائر البلدان الإسلامية. إن ظاهر التدين هذه مع اعتقاد المسلمين عامة بأنه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل من ولد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ومع الاتفاق في روايات المذاهب الإسلامية على الصفات الشخصية للإمام المهدي عجل الله فرجه ومع توجه المسلمين نحو هذا الأمل بشكل ملحوظ فالكتب التي ألفت وطبعت في الآونة الأخيرة عن الإمام المهدي عليه السلام من قبل مؤلفين من أهل السنة تفوق ما كتب عنه من المؤلفين الشيعة. إن هذا يشكل بشارة خير وألفة للأمة الإسلامية التي ستجتمع إن شاء الله تعالى تحت راية الحق الناصعة المحققة لفرج محمد وآله.