الخميني العاشق

الخميني العاشق

طالما تحدث الإمام الخميني الراحل عن رحلة العارف مع الله وأنها سفر بل أربعة أسفار تبتدئ بالسير من الخلق إلى الحق، وتستمر بالسير بالحق في الحق، ثم بالسير من الحق إلى الخلق، وتنتهي بالسير في الخلق بالحق. وسافر الإمام في رحلته المعنوية هذه مع الله ليعيش هيام العشق، لكنه في هيامه لم يكن أنانياً، وكيف يكون كذلك وهو حفيد الهائم في صلاته الناظر فيها إلى فقير المسجد ليتحفه بصدقة الخاتم وكما يصفه الشاعر: يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن النديم ولا يلهو عن الكاس أطاعه سـكره حتى تمكن مـن فعل الصحاة فهذا أفضل الناس لذا لم يكن الإمام أنانياً فأراد أن يرسم لوحة العشق لمن أحب السير على درب العاشقين.

فبدا الراسم يختلف - عند من لا يعرف حقيقة الأسفار - عن خميني الثورة، فهو في لوحته فرهاد شيرين - ومجنون ليلى وريشته منزوعة من جناح قلبه، ومداده خمرة العشق الصافية فها هو في لوحة رسمه يرنّم قائلاً : أنا السكران من قَدَح خمرتي الصافية أنا البعيد لأجل حبيبي الآسر أنا الباني لدير العاشقين أنا الخاسر العابث العاجز من روحي، من حياتي من قلبي من لساني وحلقومي صعدت هذه الترنيمة: يا نقطة عطف سر الوجود ارفع عن المحب كأس السكر والسُّكر في رحلة الإمام وأسفاره لم يحلِّجْه، ولم يلهه عن غاية الطريق، ولم يؤثر ضبابُه عن وضوح الرؤية، بل دفعه سريعاً ليصل إلى السفر الرابع " في الخلق بالحق ".

وفي سفره هذا ظهرت صورة خميني الثورة، خمينيِّ الدولة، خميني ولاية الفقيه التي امتد شعاعها المنطلق من عشق الحق وعشق خلقه بسبب عشقه.

لذا لم يكن الإمام خمينيَّ الشخص ولم يكن خميني إيران بل كان خميني العالم، لذا سمى حركته بحركة المستضعفين.

وطال شعاع الخمينية وطننا الحبيب لبنان لتنطلق بوقوده المعنوي المقاومة الإسلامية في لبنان. مقاومة تعلمت من إمامها - بقدر أوعيتها - سر العشق، فتقدمت في مسيرة الجهاد مجذوبة لنداء المعشوق فلم تبالِ بغوغائية المحيط بل استطاعت بعشقها أن تجذب المحيط عاشقاً لها ليتحول لبنان إلى مجتمع مقاومة.

وكما استطاع وقود العشق الخميني أن يصنع دولة الإسلام في إيران، استطاع الوقود النابع من ذلك العشق أن يصنع الانتصار في لبنان.. وكما جذبت ثورة العشق في إيران شاعرية العاشقين جذبتهم ثورة العشق في لبنان فانبرى شعراء كبار يرسمون لوحة العشق هذه في لوحتين من منبع اللون الواحد، كما رسم العلمان المجيدان في لبنان وإيران فالأخضر والأحمر والأبيض فيهما هي الألوان.

وكثرت القصائد في الإمام الخميني والمقاومة الإسلامية محاولة رسم صورة العشق هذه لكن قصائد منها تميزت وتألقت، فشاعرها ليس زائراً لمعرض لوحات العشق هذه بل هو عاشق واكب العاشقين في مسيرة الجهاد والفداء، فكان عشقه كعشقهم في مداد ألوان تلك اللوحات. شاعرها عرف الإمام في سيره من أول الطريق فلم يرسم خميني الثورة والهيبة فحسب، بل رسم في شعره خميني الحب والهيام كما خميني السيف والإقدام. وشاعرها عرف المقاومة منذ انطلاقتها فرسمها ثورة العشق والرصاص..