بسم الله الرحمن الرحيم
النظافة
ذكرت في حديثي عن الجمال رواية عن الإمام الصادق (ع): "إنّ الله عز وجل يحبّ الجمال والتجمّل ويبغض البؤس والتباؤس؛ فإن الله عز وجل إذا أنعم على عبدٍ أحبّ أن يرى عليه أثرها"1.
ولهذه الرواية تتمة هي أنّ الإمام سئل: وكيف ذلك؟ فأجاب(ع): "ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصّص داره، ويكنس أفنيته"2.
إنّه حديث حول الجمال يبدأ بنظافة الإنسان، وينتهي بنظافة البيئة، المنطلقة من الكمالات الإلهية، ففي الحديث النبوي الشريف: "إنّ الله طيّب يحبّ الطيب، نظيف يحبّ النظافة"3.
فالنظافة من القيم التي أكّد عليها الإسلام معتبراً:
أ- أنّها من الكمالات الإنسانية.
ب- أنّها من أخلاق الأنبياء (ع)، ففي الحديث عن الإمام الرضا (ع): "من أخلاق الأنبياء التنظّف"4.
ج- إنّها من جنود العقل. ففي وصية الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم، في مقام تعداد جند العقل: "النظافة وضدها القذارة"5.
د- أنّها من أعمدة البنيان الإسلامي التي لها انعكاس في الآخرة، فعن الرسول الأكرم (ص): "تنظّفوا بكل ما استطعتم؛ فإنّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلا كلّ نظيف"6.
نظافة الجسد
والبد من نظافة الجسد التي دعا الإسلام إليها باعتبارين:
الأول: احترام الآخر، ففي الحديث عن الإمام علي (ع): "تنظّفوا بالماء من النتن الريح الذي يُتأذى به، تعهّدوا أنفسهم؛ فإنّ الله عزّ وجلّ يبغض من عبده القاذورة الذي يتأنّف به من جلس إليه"7.
الثاني: احترام الذات، ففي الحديث عن الرسول الأكرم (ص): "طهّروا هذه الأجساد طهّركم الله؛ فإنّه ليس عبد يبيت طاهراً إلا بات معه ملك في شعاره، ولا يتقلّب ساعة من الليل إلاّ قال: اللهمّ اغفر لعبدك؟ فإنّه بات طاهراً"8.
النظافة الواجبة للجسد
تماشياً مع ما مرّ وإضافة إلى أمور معنوية تساهم في البناء الكمالي للإنسان أوجب الله تعالى أنواع من الطهارة والنظافة منها:
1- الوضوء الواجب للصلاة.
2- التطهير الواجب للأعضاء التي تنجّس كشرط لازم لصحة الصلاة والطواف.
3- الأغسال الواجب كغسل الجنابة، وأغسال المرأة في الحالات الخاصة التي تعتريها، وفي الحديث: "علّة غسل الجنابة النظافة، وتطهير الإنسان نفسه مما أصابه من أذى، وتطهير سائر جسده"9.
النظافة المستحبّة للجسد
إضافة إلى ما مرّ من الطهارة الواجبة ورد في الروايات الدعوة المستحبّة إلى الكثير من أنواع الطهارات والتنظيفات منها:
أ- الوضوء لأجل المباشرة في أعمال مستحبّة، بل دعا إلى الوضوء الدائم بعد كل حدث، في الحديث عن...
ب- الأغسال التي وردت فيها العديد من الروايات منها: ما ورد عن الإمام الرضا (ع): "...وغسل الجمعة سُنّة، وغسل العيدين، وغسل دخول مكّة والمدينة، وغسل الزيارة، وغسل الإحرام، وأوّل ليلة من شهر رمضان، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، هذه الأغسال سُنّة"10.
ج- تنظيف بعض أنحاء الجسم، فعن الإمام الكاظم (ع)" خمس من السنن... أمّا التي في الجسد فالختان، وحلق العانة، ونتف الإبطين، وتقليم الأظفار والاستنجاء"11.
نظافة الفم
ورد في الروايات دعوة إلى تنظيف الفم، بدءًا من الأخذ من الشارب بحيث لا يمتدّ الشعر إلى الشفتين، ففي الحديث عن: "خذ من شاربك وأظفارك في كلّ جمعة"12.
مع التأكيد على تنظيف الأسنان وتطييب الفم بالسواك فعن الرسول الأكرم (ص): "تخلّلوا؛ فإنّه من النظافة، والنظافة من الإيمان، والإيمان وصاحبه في الجنّة"13.
وعنه صلى الله عليه وآله: "لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسّواك مع كلّ صلاة"14.
كما ورد أنّ الرسول الأكرم (ص) قال للإمام علي (ع): "يا علي، عليك بالسّواك، وإن استطعت أن لا تُقِلَّ منه فافعل، فإنّ كلّ صلاة تصلّيها بالسواك تفضّل على التي تصلّيها بغير سواك أربعين يوماً"15.
وكذا ما ورد عنه صلى الله عليه وآله: "طيّبوا أفواهكم بالسّواك؛ فإنّها طُرق القرآن"16.
وكذا: "نظّفوا أفواهكم؛ فإنّها طُرق القرآن"17.
وعن الإمام الصادق (ع): "في السواك اثنتا عشرة خصلة:
1- هو السُنّة 2- ومَطهَرَةٌ للفم 3- ومجلاةٌ للبصر
4- ويرضي الرحمن 5- ويبيّض الأسنان 6- ويذهب بالحفر
7- ويشدّ اللثة 8- ويشهّي الطعام 9- ويَذهب بالبلغم 10- ويزيد في الحفظ 11- ويضاعف به الحسنات 12- وتفرح به الملائكة"18.
نظافة اليدين
عن أمير المؤمنين (ع): "غسل اليدين قبل الطعام، وبعده زيادة في العمر... ويجلو البصر"19.
نظافة الثياب
أكّدت الأحاديث الشريفة على أهميّة تنظيف الثياب، بعضها بلسان الأمر، كما في الحديث الوارد عن رسول الله (ص): "من اتخذ ثوباً فلينظّفه"20، وهذا الأمر وإن كان لا يحمل على الوجوب، إلاّ أنّ تطهير الثوب لأجل الصلاة والطواف هو من الشروط اللازمة لهما، كما ورد في أحاديث أخرى إلاّ أنّ هذا لا يعني الاقتصار في نظافة الثوب على كونها مقدّمة للصلاة أو الطواف، بل هي مطلوبة بنفسها، فعن جابر بن عبد الله: "أتانا رسول الله (ص)، فرأى رجلاً شعثاً، قد تفرّق شعره، فقال: أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟! ورأى رجلاً آخر عليه ثياب وسخة، فقال (ص): أما كان هذا يجد ماءًا يغسل به ثوبه"21. وتارةً أخرى بلسان بيان الأثر الجميل لتنظيف الثياب، كالقول الوارد عن رسول الله (ص) لأحد زوجاته: "اغسلي هذين الثوبين، أما علمت أنّ الثوب يسبّح، فإذا اتسخ انقطع تسبيحه"22.
وكذا ما ورد عن الإمام علي (ع): "النظيف من الثياب يذهب الهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة"23.
نظافة البيوت
أكّدت الروايات الواردة عن النبيّ (ص) وأهل بيته (ع) على أهمّية الاعتناء بنظافة البيوت بنحو دقيق، وهذا ما نلاحظه في الأحاديث الآتية:
- عن الإمام الباقر (ع): "كنس البيوت ينفي الفقر"24.
- عن الإمام علي (ع): "لا تؤوا التراب خلف الباب"25.
- عن الرسول الأكرم (ص): "لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم، وأخرجوها نهاراً، فإنّها مقعد الشيطان"26.
- عنه صلى الله عليه وآله: "بيت الشياطين من بيوتكم بيت العنكبوت"27.
- عن الإمام علي (ع): "نظّفوا بيوتكم من حوك العنكبوت؛ فإن تركه في البيت يورث الفقر"28.
نظافة الشوارع
ذمّت الروايات أولئك الذين يؤذون الناس بوضع القاذورات في الشوارع والطرقات العامّة. ففي الحديث عن النبي الأكرم (ص): "من سلّ سخيمة على طريق عامر من طرق المسلمين، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين"29.
وعنه صلى الله عليه وآله: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظلّ، وقارعة الطريق"30.
وفي مقابل ذلك حثّت الروايات على إزالة ما يؤذي المسلمين في الطرقات العامّة فعن النبي (ص): "إنّ على كلِّ مسلم في كلِّ يوم صدقةً
قيل: من يطيق ذلك؟
قال (ص): إماطتك الأذى عن الطريق صدقة"31.
1 الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، (لا،ط)، بيروت، دار التعارف، (لا،ت)، ج1، ص 660.
2 المصدر السابق.
3 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، ط1، (لا،ت)، ج4، ص3302.
4 المصدر السابق، ص 3022.
5 الصدوق، علل الشرائع، تحقيق محمد صادق بحر العلوم، (لا،ط)، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1966، ج1، ص115.
6 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج4، ص3303.
7 المصدر السابق، ص 3302.
8 المصدر السابق.
9 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج3، ص2254.
10 المصدر السابق، ص 2255.
11 المصدر السابق، ج2، ص1372.
12 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، ط3، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367، ج6، ص490.
13 الميرزا النوري، مستدرك وسائل الشيعة، تحقيق ونشر مؤسسة أهل البيت، ط2، بيروت، 1988، ج16، ص319.
14 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، 1394.
15 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، 1394.
16 المصدر السابق.
17 المصدر السابق.
18 المصدر السابق، ص1395.
19 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص290.
20 المصدر السابق، ص 441.
21 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج4، ص 3302.
22 المصدر السابق، ص 3303.
23 المصدر السابق.
24 المصدر السابق، ص 3302.
25 المصدر السابق.
26 المصدر السابق.
27 المصدر السابق.
28 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج4، ص 3303.
29 النيسابوري، الحاكم، المستدرك، تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (لا،ط)، (لا،ن)، (لا،ت)، ج1، ص 186.
30 السخيمة: الغائط (ابن منظور، محمد، لسان العرب، ج12، ص283).
31 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1597.