من إضرب إلى اقرأ

من إضرب إلى اقرأ

كلمة لسماحة الشيخ أكرم بركات.
المناسبة: افتتاح معرض المعارف الأول للكتاب العربي والدولي.
عنوان الكلمة: مِن إضرب إلى اقرأ.
المكان: مجمع سيد الشهداء.
الزمان: 4/5/2006.


في زمن يتسابق فيه أهله في البحث عن القوة، هلمّوا بنا نبحر في رحلة ذلك الباحث عنها، القائل في رحلته الطويلة:
بحثت عن أقوى الأشياء فوجدته الحديد،
نظرت إلى الحديد فوجدت أن النار تمدده، فعلمت أن النار أقوى من الحديد.
نظرت إلى النار فوجدت أن الماء يطفئها فعلمت أن الماء أقوى من النار..
نظرت إلى الماء فوجدت أن السحاب ينزله فعلمت أن السحاب أقوى من الماء..
نظرت إلى السحاب فوجدت أن الرياح تجره فعلمت أن الرياح أقوى من السحاب..
نظرت إلى الرياح فوجدت أن الجبال تصدها فعلمت أن الجبال أقوى من الرياح..
نظرت إلى الجبال فوجدت أن الإنسان يعلوها فعلمت أن الإنسان أقوى من الجبال..
نظرت إلى الإنسان فوجدت أن النوم يسكته فعلمت أن النوم أقوى من الإنسان..
نظرت إلى النوم فوجدت أن القلق يذهبه فعلمت أن القلق أقوى من النوم..
نظرت إلى القلق فوجدت أن الاطمئنان يعدمه، فعلمت أن الاطمئنان أقوى من القلق..
عندها علمت معنى قول ربى ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

الاطمئنان هو منشأ السعادة التي يبحث عنها كل إنسان ، وسر ذلك الاطمئنان هو ذكر الله، الذكر الذي هو معرفة حاضرة بوعي الذاكر، وهي – أي المعرفة - سر الوجود أليس في ثقافتنا حكاية عن رب العزة في حديثه القدسي كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أُعرَف فحلقت الخلق لكي أُعرَف من هنا كانت المعرفة في مبتدأ الكتاب العزيز قبل كل شيء فكان أوله "اقرأ" وتعقيب الحرف "ن" وتاليه القسم بالقلم وما يسطرون.

وأكمل النبي (صلى الله عليه وآله) خطوات الكتاب العزيز في دفع عجلة العلم والمعرفة فكان العلم في سنته الشريفة فريضة ولو كان معهده في الصين.ولتثبيت المعرفة وتعميمها دعا صلى الله عليه وآله إلى تحصين الكلمة بقلعة الكتاب فكان يقول :المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة ستراً في ما بينه و بين النار.

لقد مثّل الكتاب في امة محمد (صلى الله عليه وآله) أرقى التقدم المعرفي في تاريخ البشرية، فقد تدرجت دلائل النبوة من نعل ينتعله الوصي شيث إلى قميص يتقمصه الخليل إبراهيم إلى خاتم يتختم به الملك سليمان، إلى عصا يتعصى بها الكليم موسى، إلى مسحة من يد المبارك عيسى، إلى أن تجلت دلائل النبوة عند ختمها المحمّدي في الكلمة المحصّنة لتكون المعجزة الخالدة هي الكتاب.

لقد كرم الله أمة محمد (صلى الله عليه وآله) أن تكون أمة يقودها الكتاب بـ "اقرأ" بعدما انحدرت تلك الأمة التي كان يقودها العصا والحجر بـ "اضرب".

لقد استطاعت امة « اقرأ » حينما تمسكت بكتابها، وأعطته دفّة القيادة أن تملا العالم من نور المعرفة، ولم تنحدر من مكانتها التي أرادها الله بها إلا بعد أن جانبت الكتاب في قيادة مسيرتها حتى وصل الأمر إلى حالة عبر عنها مخطط الحرب الإسرائيلية على العرب والذي نشر خطته مكتوبة قبل تنفيذها مما أدى إلى استغرابٍ أجاب عنه:إني اعرف أن العرب لا يقرؤون وأخيرا قرأ من الأمة رجالٌ قراءةَ وعي في كتاب معرفتها الأصيلة لتتحول في نفوسهم ذكراً اطمأنت به قلوبهم أمام من لم يؤثّر به ضرب العصا والحجر فظلوا احرص الناس على حياة واستطاعت عين النفس المطمئنة القارئة لكتاب ربها في شهر أيار أن تكون أقوى من حديد المخرز فتذيبها بقوة الإيمان لتحقق نصراً وتحريراً وتوازنَ رعبٍ بل رعباً تقابله الطمأنينة، فكان شهرُ أيار مُؤذناً بنتاج عودة الأمة إلى الكتاب.

من هنا ارتأت جمعية المعارف الإسلامية الثقافية أن يكون شهراً أيار شهرا للكتاب كما هو شهر للمقاومة والشهادة فكان معرض المعارف للكتاب.

لقد كان الكتاب نصب أعين هذه الجمعية الثقافية منذ تأسيسها، فقد أعدت هذه الجمعية المئات من الكتب في مواضيع متنوعة بحسب حاجة مجتمعنا المعرفية والفكرية والأدبية.

وبهدف رفع الحرمان عمن حُرم من نعمة الاستفادة من الكتاب أسست الجمعية مركز نور لمحو الأمية والذي تخرّج منه حتى الآن ما يزيد على ألف و ثمانمائة طالب وطالبة.

ولأجل الرقي المعرفي لمجتمعنا كانت عشرات المعاهد الثقافية النسائية والعامة والتي تمتد في أنحاء لبنان.

ولتأمين المواكبة الثقافية للفرد والأسرة كانت مجلة بقية الله الشهرية تقدم الفكر الأصيل بأساليب جذابة.

ولرفع الكفاءة التخصصية كانت معاهد متخصصة كمعهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني.

ولمواكبة الشرائح الأوسع ضمن حركة الاتصال المتطورة في العالم كانت شبكة المعارف الإسلامية الالكترونية الثقافية المستقطبة لملايين الرواد في العالم.

ولتفعيل المراكز الثقافية وتشجيع حركة المطالعة كانت مراكز الإمام الخميني(قدس سره) والمكتبات الثقافية الممتدة في لبنان ونغتنم هذه الفرصة الطيبة لنعلن عن مشروع دعم المكتبات في لبنان بتزويدها بحاجتها المعرفية من كتب وأقراص مدمجة فاتحين الباب أمام من يريد وضع لبنات النور في بيوت المعرفة والثقافة.

واليوم تقيم جمعية المعارف الإسلامية الثقافية معرض المعارف للكتاب العربي والدولي ليكون مشعلاً ثقافياً رائداً في هذا الوطن العزيز سواء من خلال توفيره لكتاب المعرفة أو من خلال الأنشطة الثقافية المرافقة له والتي تنوعت بعناوينها الفكرية والأدبية وبشخصياتها التي يتكبد بعضها – مشكوراً – مشقة السفر من مصر والعراق وإيران والأردن...

وقد حرصنا أن يكون هذا الحدث الثقافي في الضاحية الجنوبية لبيروت لأنها إضافةً إلى كونها الرافد الكبير للمقاومة التي أعزّت الوطن وأبناءه هي زاخرة بالنخب العلمية والفكرية والأدبية، نابضةٌ بقطار كبير من الشباب المتعلم والمثقّف، ولكنها – مع الأسف – مظلومة في هذا الجانب لا سيما على مستوى حرمان الدولة لها بالجانب الثقافي.

وحرصنا على إقامة المعرض في هذا المجمع المبارك لأنه – مع كونه الوسطي الملائم – هو منبر لثقافة المقاومة العزيزة ومحلّ لذكر الله الذي يصنع القوة الأقوى في عالم الإمكان ألا وهي النفوس المطمئنة.

شكراً لمربّي النفوس راعي الاحتفال سماحة الأمين العام الحجة السيد حسن نصر الله.

شكراً لأصحاب السماحة والفضيلة والنيافة والمعالي والسـعادة والفعاليات الثقافية والتربوية والسياسية والاجتماعية والإعلامية والنقابية..

شكراً لبلديات الضاحية الجنوبية لمؤازرتها هذا العمل.

شكراً لكم جميعاً.

والحمد لله رب العالمين