قصة الصراع
منذ بدأ الله الخلق وقف الاستكبار أمام الإنسانية موقف التحدي، فرفض إبليس السجود لآدم منطلقاً في تعليله من خلفية ثقافية ناظرة إلى المادة كأساس للتفاضل الخَلقْي، فأدار بصره بين النار والطين، وقد منعته حجب الكبر النافذة فيه عن نفوذ بصره إلى نور الروح التي نفخها الله في ذلك الطين.
من هناك بدأ الصراع بين إنسان الخلافة الإلهية الذي أطلَّ على عالم الوجود بنقاوة الروح وسلامة القلب وبين إبليس العداء الذي أراد بعد عقوبة الاستكبار أن يحطَّ بمنزلة الإنسان عبر الإنسان نفسه وهناك في عالم الحقيقة وأمام الحق تعالى أعلن إبليس أطروحته بخطوطها العريضة محدِّداً الهدف وهو إسقاط الإنسان إلى الهاوية.
والأسلوب وهو الإغواء وقلب الحقيقة واستطاع إبليس مستفيداً من نظام الاختيار الإلهي أن يشيطن الكثير من الناس وان يزرع في أنفسهم روح الاستكبار الذي أخرجه من جنته الذكرى.
وهنا انتقل الصراع إلى الدائرة الإنسانية بين الإنسان والإنسان فقتل الأخ المستكبر الذي ضيقت المادة مدى بصره أخاه المستضعف الذي وسِّعت الروح مدى بصيرته ليبدأ من حينه صراع المستكبرين والمستضعفين.
المستكبرون الذين ضيقوا الحياة في إطار مادتهم المنظورة حتى عجزوا عن إخراج الإله عن دائرتها فحددوه بها فعبدوا كواكب السماء و أحجار الأرض، وحاربوا من حمل لواء الحرية منادياً بفك أسر الإنسان من سجن المادة المحدودة لينطلق بروحه نحو كمال يخلو من كل نقيصة وحدود.
وكما نقلت الشيطنة صراع الحق والباطل من صراع الإنسان وإبليس إلى صراع داخل الدائرة الإنسانية استطاعت الشيطنة ان تنقل الصراع من صراع الدين والإلحاد إلى داخل الدائرة الدينية.
فجاء النص باسم الدين ليؤطَّر الربَّ ويحدِّد مكان وجوده فيسكنه جبل صهيون، وتتالت التعاليم باسم ذلك الدين لتحديد صندوق بريد المراسلة مع الرب بحائط القدس القديم.
والهدف من صهينة اليهود هذه تجميع اليهود و إقامة دولتهم في فلسطين بواسطة الهجرة والغزو والعنف وإن أدى ما أدى من مجازر وآلام وجدوا لها تبريراً يتخطى عنوان مصلحة الشعب لينطلق من نص ديني آخر يُفقد الإنسانية عن غير اليهود فيعتبرهم مخلوقات غير إنسانية خلقت على شاكلة الإنسان.
وإذا كان الإنسان غير اليهودي عندهم على هذه الحال مسلماً كان أو مسيحياً أو آخر، وإذا كان نصهم الديني قابلاً للتماهي مع طموحاتهم فان ذلك يبِّرر لهم توسعة الوطن المزعوم من فلسطين ليشمل حتى بألوان علمِهم من الفرات إلى النيل، كما يبرِّر لهم دخول لبنان الذي أوصلهم إليه موج طموحاتهم العاتية لكنهم أخطأوا التوقيت كما أخطأوا الإنسان، فتوقيت دخولهم لبنان كان في الزمن الخميني الذي استرجع جهاده عاشوراء ليرسم على جبين كل يوم لوحة انتصار الدم على السيف.
و الإنسان الذي واجهه الصهاينة يمثل الصورة المعاكسة لهم فهم أحرص الناس على حياة تقتصر بمسلكهم على الدنيا وهو المتطلع إلى حُسنين يحقق أحدهما هدف أمته وهو النصر ويحقق الآخر هدف ذاته وهي الشهادة.
هذا الإنسان لا يملك مادة المقاومة التي توازي قوة العدو لكنه يملك روح المقاومة التي تفوق قوة العدو هذا الانسان لم يتدرَّع بالفولاذ والحديد لكنه تدرع بإيمان عميق وشعب احتضنه وجيش وقف إلى جانبه.
هذا الإنسان لم ييأس من الحياة ليرى في الموت مخرجاً من يأسه بل عشق الكرامة حيث حلًّت فهو يحمل عقيدة علي عليه السلام التي صدح بها من منبر الكوفة "الحياة في موتكم قاهرين والموت في حياتكم مقهورين".
من هنا كانت المعايير عند هذا الإنسان مختلفة: فمقتوله شهيد يُقام له عرس الشهادة فيأبى أهله إلا التهنئة بدل العزاء وجريحه شهيد حيُّ يحمل الجرح وساماً ودعوةً الى الجهاد وأسيره سفير المقاومة الشامخ وصوت الحق الصادح وإن اقتصر على ملامح الوجه البطولي لأن إنسان المقاومة فيه ما وصفت وإن علا عنه لقصور الوصف وشدة كمال الموصوف كان محلاً لاستنساخ معنوي نجح في فلسطين المقاومة وما زال يسجِّل روعة هذه الكمالات الإنسانية في جهاد المقاومين.
ألا يستحق هذا الإنسان أن يرسم في لوحة الفن البديع، وان ينظم في دواوين الشعر الجميل، وان يسطر في قصص الأدب الراقي وان يدخل بطلاً في كتب التاريخ والتربية الوطنية ليكون قدوة لأجيال حاضرة وأجيال تأتي تتعلم منه حبَّ الوطن وعشق الكرامة والتحلي بالقيم وبذل المهج في إعلاء كلمة الحق ليرفد الأمة بعبق الجهاد الذي حقق النصر الكبير في هذا الوطن العزيز.
المناسبة: حفل توزيع جوائز أفضل قصة جريح.
المكان: النادي الحسيني لبلدية برج البراجنة.
الزمان: 23/4/2003.