صخرة العروج

صخرة العروج

بين الكعبة والمقام يرتسم حبل الو صال، فقلوب الأجساد الخالعة ثوب الاعتبار الموهم تطوف حول كعبة التوحيد المنشدة قصة الوجود، عابرةً سلسلة الأنبياء مبتدئة بميثاق الفطرة المغروس في قلب الركن الأول ليجذب الأرواحَ القلوبَ علها تزيل عنها وهم الاعتبار.

ويأبى الواحد الأحد أن يرتفع طواف التوحيد إلا عبر صلاة المقام الحاضن لصخرة الإمامة المتفاعلة مهداً لقدمي الخليل (عليه السلام)، تحكي بذلك سر النجاة وشرط العروج في أنشودة خرقت جدر الزمان وحدود المكان لتنتقش في صخرة نيشابورية في بلاد خراسان تماهت مع صخرة المقام فتفاعلت مهداً لقدمي حفيد الخليل والحبيب تحكي أيضاً سر النجاة وشرط العروج، فسر النجاة في تلك الأنشودة كلمة عبرت سلسلة القداسة، لتحكى عن الأقدس سبحانه وتعالى: كلمة لا إله إلا الله حصني، من قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي، أما شرط الصعود فهو حكاية الصخرتين، حكاية القامتين: "لكن بشرطها وشروطها وأنا من شروطها" بهذا كانت الولاية باب العبودية الحقة لتوحيد الحق وكانت الصخرة كناية القوة.

وقرب الصخرتين بمباركة قدمين هنا وقدمين هناك كانت كناية الحياة الماءُ المبارك الذي أريد له أن يوقظ الأرواح انجذاباً ومسلكاً.

فماء زمزم كان بداية حياة أخرى أراد فيها خليل الله أن ينقل الناس من عبادة الأرض بمادتها المظلمة، فوجَّهَ العيونَ إلى السماء لترى نوراً ولتلتفت لأفوله لتتوجه القلوب من السماء إلى بارئها الذي لا يأفل.

فبنى مجتمع التوحيد لينقله في عرفة إلى معرفةٍ تملأ عقل الإنسان ليرى الله أظهر من كل شيء، ولينقله في المشعر الحرام إلى شعور يملأ قلب الإنسان ليعشقه قبل كل شيء، وأكثر من كل شيء، ليسلك به إلى منى مبدّداً عقبات المسير ليقدّم الله عملاً على كل شيء في مذبح الولاية المقدس.

من مجتمع التوحيد قدم حفيد الخليل الإسحاقي في مرتبة الكليم ليصنع – وهو المصنوع على عين الله- مجتمع الدين والشريعة وبعد تحريف المحرفين للكلام عن مواضعه جاء الحفيد الإسحاقي الآخر في مرتبة الروح، ليصحح المسار من تلاعب الكهنة فكان الاغتيال لكتابه وانقسام الملاعنة.

ثم أراد الله تعالى أن يطور المجتمع الإنساني عابراً مجتمع التوحيد ومجتمع الشريعة إلى دولة الولاية، فبعث حفيد الخليل الاسماعيلي من أرض زمزم والركن والمقام بمرتبة الحبيب واعداً أن يظهر دينه على الدين كله.

وخرج الخاتم الحبيب من مكة مهاجراً ليؤسس دولةً تمهّد لظهور دين الله بعد أن فتح العقول والقلوب عبر مخاضات حساسة في تاريخ الأمة تابعها أهل البيت الأطهار في مسار المخطط الإلهي الهادف للوصول إلى دولة الدين الأظهر تخلله فتح ثان في كربلاء التي قذف منها الإمام الحسين عليه السلام صخرة الشهادة والإباء التي لم تستطع كل جدر التاريخ أن توقفها لتصل إلى القرن العشرين بفتح جديد أسس فيه إمام الأمة الراحل الخميني العظيم قدس سره للفتح الأعظم ثورة ثم دولة على منهاج رسول الله والثقلين كتاب الله وأهل البيت عليهم السلام.

وقد استطاعت تجربة الثورة والدولة أن تجيب على سؤال حساس طالما شغل عقول المفكرين في منهاجها من مطلع القرن العشرين، لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ فإذا بدولة الولاية والإمامة تجيب بالتجربة وهي في فتوتها الثلاثينية حينما تقدمت في اليورانيوم تخصيباً أصبحت فيه الدولة الثامنة في العالم، وفي الصناعة تطوراً غزت فيه الفضاء و تراقصت صواريخها باسم ربها على طلل الماء وجدر الأرض، وفي السياسة حكمة عطلت مشاريع الاستكبار وزادت منعة المستضعفين، وفي الثقافة انفتاحاً على قاعدة الأصالة، وموضوعية تستمد المدد المعنوي. طالما ردد إمام الأمة الراحل بأن مشكلة عالم اليوم في افتقاده للمعنويات لقد تلقف المقاومون في لبنان هذه الثقافة الولائية ليستطيعوا من خلال استنزال نصر الله في مشهدٍ رسم قوة الإيمان بأروع ريشة، فقد تفنن القرآن في عهد الرسالة الأول بأن الواحد من المسلمين من خلال قوة إيمانهم بعشرة من الكافرين، ولما رأى الله في المسلمين ضعفاً خفف المقابلة فجعل الواحد باثنين، أما في حرب تموز فقد كان الواحد من أبناء مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل في المقاومة الإسلامية بعشرات من اليهود الصهاينة. لقد كان حساب العدو عدداً مقابل عدد وعتاداً مقابل عتاد فضمن في حسابه النصر.

وكان حساب المقاومين أنفساً مطمئنة أعدت ما استطاعت من قوة أمام قوم هم أحرص الناس على حياة فضمنوا في إيمانهم استنزال النصر وكانت النتيجة:
- قائد العدو
علم أن الحرب خرجت عن دائرة الإعداد المادي فقال على خلفيته اليهودية: لقد استطاع حزب الله أن يقنع الله أن ينصره في حرب تموز.
- جنود العدو دخل خمسة آلاف منهم في علاجات صحية نفسية وبعد العلاج أتوا بثلة منهم أمام دبابات الميركافا فوقفوا أمامها مرعوبين ولم يتجرأوا على الدخول إليها.
- لجنة تحقيق العدو تعترف بهزيمة إسرائيل في تلك الحرب.
- العالم يندهش من النتيجة فيدرس الأسباب ليخلص إلى أن القضية الأساس هي الثقافة التي يحملها المقاومون المنبعثة من القرآن الكريم وتعاليم رسول الله وأهل بيته عليهم السلام والتي أخذت تنتشر في الأمة انجذاباً أمام مخطط يريد تغيير ثقافة المقاومة في الأمة ومن خلال بث ما يخرجها من فضاء الإسلام الرحب من خلال حرب على القرآن والنبي تارة إلى قوقعة الطائفة تارة، والعرق تارة أخرى، وإن لم يجدوا ذلك دخلوا في عناوين أخرى كما يجري اليوم في فلسطين رغم ألم غزة هاشم وجرح المسجد الأقصى المحتضن صخرة العروج المنشدة نداء الوحدة الساعية لاجتماع أبيات القصيدة منها ومن صخرة المقام وصخرة نيشابور وصخرة كربلاء بنداء الخلاص: كلمة التوحيد ووحدة الكلمة. وبترنيمة العروج المؤكدة على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله (ص) بقلم العلم وإزميل النحت في جبال الرباط ورصاص الدفاع عن المقدس.

ولكم في المقاومة المتمسكة بمنهج أهل البيت خير مثال للدفاع عن رسول الله والقرآن الكريم.

المناسبة: مؤتمر أهل البيت (عليهم السلام).
المكان: مكة المكرمة.
الزمان: موسم الحج 1429/2008.