الأسير الأمير
أن تكتبَ قصةَ أسيرٍ يعني أنْ تكتبَ قصةَ أمير. لأنَّ أسْرَ جسدِ المقاومِ ضمنَ جدرانٍ أربعةٍ ضيقةٍ لم يستطعْ ولن يستطيعَ أنْ يسوّرَ إمارةَ روحِهِ الحُرةِ، وأن تقييِدَ جسدِ المقاومِ بأثقالٍ مؤلمةٍ لم يستطعْ ولن يستطيعَ أنْ يقيِّدَ إمارةَ نفسِهِ الأبيّةِ. وأنَّ منعَ النورِ عن عَيْنَي المقاومِ لمْ يستطعْ ولن يستطيعَ أنْ يمنعَ نورَ إمارة قلبِهِ المضيء.
كلُّ ذلكَ لأنَّ المقاومَ إنسانٌ درسَ القرآنَ وعلى هديِ آياتِهِ صاغَ إنسانيتَهُ، ومنهُ تعلّمَ معنى الحريةِ الحقيقيةِ التي قد لا يجِدُها في كثيرٍ من الناسِ وإنْ استطاعوا السيرَ حيثُ أرادوا، والكلامَ حيثُ شاءوا، وممارسةَ ما ابتغوا لأنَّ إنسانيتَهُم تقيّدَتْ بأغلالٍ غير مكشوفة، وتسوَّرتْ بجدرانٍ غير مرئيةٍ، وسبَبُ ذلك أنّ اتجاهَ سيرهِمِ المعنويّ بَدَلَ أنْ يكونَ في صعودٍ في صراطِ الحريةِ الحقيقيةِ التي لا تحدُّها جدران ولا تقيّدها أغلالٌ ولا يحجبُ نورُ شمسِها حاجبٌ، - بدل ذلك - كان اتجاهُ سيرهِمِ في سبيلٍ مِلأَهُ وهمُ الوُسعةِ وزيفُ السرابِ، وخِداعُ النورِ المصطنعِ الذي لا يلبثَ أن ينتهي.
بينما تعلَّمَ المقاومُ أسيراً وجريحاً ومجاهداً في ساحةِ القتالِ؛ الحريةَ الحقيقيةَ من آيةٍ حَكَتْ عن سلوكِ امرأةٍ أرادَهَا القرآنُ قدوةً للإنسانيةِ جمعاء، إنها امرأةُ عمران التي عاشتْ الحريةَ في عبودِيَّتِها لله تعالى، فأحبّتْ أن يذوقَ مولودُها الآتي طعمَها الراقيَ داخلَ جدرانِ ذلك المكانِ المباركِ الذي سيَحُدُّ من حركةِ جسدِ وليدِها، ولكنَّها أدركتْ انهُ سيعيشُ هناك معنى الحريةِ التي لم يعشْها كثيرٌ ممن يعيشون خارجَ الجدرانِ.
و أرادتْ امرأةُ عمرانٍ أن تعبِّرَ عن مكنُونِها.كيفَ صاغَتْهُ ؟ وبأيِّ عبارةٍ أنشأَتْهُ؟.
إنها لم تقلْ " ربِّ إني نذرتُ لكَ ما في بطني أسيراً بين جدرانِ بيتِك " ولم تقلْ "ربِّ إني نذرتُ لكَ ما في بطني عبداً لا يغادرُ مسجدَكَ " بل قالت: ﴿ربِّ إنيِّ نذرتُ لَكَ ما في بطني محرَّراً﴾
إنها الحرية التي عاشَها أسيرُ المقاومةِ الإسلاميةِ في زَنْزانَةِ العدوِّ الإسرائيلي، بينما لم يعشْها سجَّانُوه.
إنها الحرية التي بدَّلتْ ظلمةَ سجنِهِ نوراً، وضيقَ جدرانِهِ وسعةً، وثقلَ قيودِه راحةً، فبقي أميراً وإن حدَّه السجن، وحراً وإن سوَّرته جدرانُه، وأبيّاً وان ثَقُلَ قيدُه، لذا كان أميراً من أمراءِ النصرِ والتحريرِ ؛ فمنْ داخلِ سجنِهِ صَنَعَ النصرَ للأمةِ، والعزَّة للوطنِ، واستحقَّ أن يرسمَ لوحةً تكحّلُ عيونَ ناظريِها، وأن ينشدَ شعراً يشنّفُ آذانَ سامعِيِه، وأن يكتبَ قصةً تحكِي لأجيالِ الوطنِ الحاضرةِ والآتيةِ ؛كيفَ يبني الوطنَ ويصنعُ عزتَه وكرامتهَ الإنسانُ الكاملُ الحرُ الراوي:
الكاملُ: الذي لم يخدش الجرحُ كمالَه فكان في جرحهِ كاملاً
والحرُّ: الذي لم يقيد السجنُ حريتَه فكان في سجنِهِ حُرا
والراوي: للوطن بدمائِهِ الزكيةِ لـيُـنبتَ الشهيدُ بدمِ الطهارةِ والقداسةِ على ترابِ الوطنِ، لا شجرةً خضراءَ قد تنحني أمامَ العواصفِ وتنجرفُ أمامَ السيولِ وتُقطعُ بفأسِ الطبيعةِ، بل لينبتَ إنساناً شامخاً تَقْتَدي الأرزةُ بشموخِهِ، يفتخرُ ويتأسَّى بشهداءِ الوطنِ وجرحاهُ وأسراهُ ومجاهدِيه.
المناسبة: حفل إعلان نتائج أجمل قصة أسير.
المكان: حديقة الغبيري.
الزمان: 23/8/2003م.