لوح فاطمة-ع

image

لوح فاطمة

اللوح في اللغة هو كل صفحة عريضة خشباً أو عظماً1 مما كان يستعمل للكتابة فيه، ومنه لوح فاطمة الذي ملأت أخباره كتب الشيعة واشتهر عندهم شهرة واسعة، وذلك لأهمية مضمونه الذي ينص على أسماء أئمة الشيعة .

لوح فاطمة

اللوح في اللغة هو كل صفحة عريضة خشباً أو عظماً1 مما كان يستعمل للكتابة فيه، ومنه لوح فاطمة الذي ملأت أخباره كتب الشيعة واشتهر عندهم شهرة واسعة، وذلك لأهمية مضمونه الذي ينص على أسماء أئمة الشيعة .

وقد وصف أبو الفتح الكراجكي المتوفى عام 449هـ2 خبر اللوح بأنه «المشتهر المعروف الذي اجتمعت الشيعة الإمامية ولم تختلف فيه»3.

وخبر اللوح لم يرو بصياغة واحدة ولا بسند واحد بل بصياغات متعددة وبأسانيد مختلفة منها ما رواه الكليني بسند معتبر عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري4 قال: «دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت إثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي»5.

والمراد من المحمدين الثلاثة هم محمد الباقر ومحمد الجواد ومحمد بن الحسن المهدي فهذا العدد مطابق لعقيدة الشيعة الإمامية»، وأما قوله «وثلاثة منهم علي، فهو لا يتطابق مع عدد أئمة الشيعة المسمّين بـ«علي»، إذ هم أربعة لا ثلاثة أولهم علي بن أبي طالب وثانيهم علي بن الحسين زين العابدين وثالثهم علي بن موسى الرضا ورابعهم علي بن محمد الهادي، فكيف نفهم الرواية مع هذا التنافي في العدد؟

والجواب أن من الرواية احتمالات ثلاثة هي:
الأول: أن يرجع الضمير في «منهم» إلى لفظ «وُلْدِها» السابق فيكون المراد العليين الثلاثة من أولاد فاطمة وعلي بن أبي طالب وهم علي زين العابدين وعلي الرضا وعلي الهادي ، فلا يكون الراوي بصدد ذكر اسم علي بن أبي طالب أصلاً.

الثاني: أن يكون لفظ ثلاثة اشتباهاً من الناسخ. وأصل الرواية هو «وأربعة منهم علي»، وما يؤيد هذا الاحتمال هو أن نفس المضمون قد روي عن أبي الجارود عن أبي جعفر وفيه لفظ أربعة بدل ثلاثة وهو بسند آخر بل روي بنفس السند أيضاً لكن بإضافة أحمد بن محمد بن يحيى في أوله6، وهذا السند معتبر أيضاً عند من يوثّق أحمد هذا.

الثالث: أن يكون الضمير في «منهم» يرجع إلى الإثني عشر، وإنما لم يقل الراوي «أربعة منهم علي» لأن علياً ابن أبي طالب لم يذكر إسمه في اللوح، بل ذكر باللقب كما سيُلاحظ بشكل جلي في رواية أبي بصير الآتية.

المحتوى التفصيلي للوح فاطمة
وهذا الإجمال في مضمون اللوح الذي ورد في رواية أبي الجارود قد فصلته رواية أخرى من روايات اللوح مروية عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال فيها: قال أبي يعني الإمام الباقر لجابر بن عبد الله الأنصاري: إن لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها، فقال له جابر: أي الأوقات أحببتها، فخلا به في بعض الأيام، فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة بنت رَسُول الله وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح مكتوب فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على أمِّك فاطمة في حياة رَسُول الله ، فهنيتها بولادة الحسين ، ورأيت في يديها لوحاً أخضر ظننت أنه من زمرُّد، ورأيت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها: بأبي وأمي يا بنت رَسُول الله ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسوله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيَّ واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك، قال جابر: فأعطتنيه أمك فاطمة فقرأته واستنسخته، فقال له أبي أي الإمام الباقر : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ، قال: نعم، فمشى معه أبي إلى منزل جابر، فأخرج صحيفة من رقّ، فقال: يا جابر أنظر في كتابك لأقرأ أنا عليك، فنظر جابر في نسخته، فقرأها أبي، فما خالف حرفٌ حرفاً، فقال جابر فاشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيّه ونوره وسفيره، وحجابه، ودليله، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين، عظّم يا محمد أسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، إني أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين، ومديل المظلومين، وديَّان الدين، إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذَّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإياي فاعبد، وعليَّ فتوكَّل، إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت مدته إلا جعلت له وصيّاً وإني فضلتك على الأنبياء وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدة أبيه، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة، وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامة معه، وحجَّتي البالغة عنده، بعترته أُثيب وأُعاقب، أولهم عليّ سيّد العابدين، وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جده المحمود محمد الباقر علمي والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الراد عليه كالراد عليّ، حق القول مني لأكرمنَّ مثوى جعفر، ولأسرّنَّه في أشياعه وأنصاره وأوليائه، أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وأن أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيَّر آية من كتابي فقد افترى عليّ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة موسى عبدي وحبيبي وخيري في عليّ وليي وناصري ومن اصنع عليه أعباء النبوة وامتحنه بالاضطلاع بها يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح7 إلى جنب شر خلقي، حق القول مني لأسرّنَّه بمحمد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي وموضع سرّي وحجتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلا جعلت الجنة مثواه، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته كلهم استوجبوا النار، وأختم بالسعادة لابن عليّ وليّي وناصري والشاهد في خلقي وأميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى
سبيلي والخازن لعلمي الحسن، وأكمل ذلك بابنه «م ح م د) رحمة للعالمين، عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم فيقتلون ويُحرقون، ويكونون خائفين، مرعوبين، وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنّة في نسائهم، أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».

قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك، فصنه إلا عن أهله»8.

حول رواية أبي بصير
نسلِّط ضوء البحث على أمرين وردا في الرواية المتقدمة.

1 ـ هل الهدية هي اللوح أم محتواه؟
إن الرواية ذكرت أن اللوح قد أهداه الله تعالى إلى رسوله ، ثم أعطاه الرسول إلى ابنته فاطمة ليبشرها بمضمونه ومحتواه. وهذا ما قد يفهم منه البعض10 أن نفس اللوح «الماديّ» قد أهداه الله إلى رسوله إلا أن الرواية لا تنصّ على ذلك، لأن قول الزهراء في الرواية «هذا لوح أهداه الله إلى رسوله» يحتمل فيه كون نفس اللوح هو المُهدَى كما يحتمل كون محتوى اللوح ومضمونه هو المُهدَى. ومما قد يُرجح الاحتمال الثاني هو رواية محمد بن جعفر عن الإمام الصادق : «إن محمد بن علي باقر العلم جمع ولده وفيهم عمهم زيد بن علي. ثم أخرج كتاباً إليهم بخطّ علي وإملاء رَسُول الله مكتوب فيه: هذا كتاب من الله العزيز العليم وذكر حديث اللوح»10. فهذه الرواية تجمع بين كون الكتاب من الله تعالى وبين كونه بإملاء رسول الله وخط علي ، فيكون المُهدَى محتوى اللوح نفسه.

2 ـ جابر ليس مكفوف البصر
مما يلفت النظر في رواية أبي بصير المتقدمة هو ما ورد فيها من قول الباقر «يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك» وتعقيب الصادق بقوله «فنظر جابر في نسخته»، وهذا يعني أن جابراً لم يكن ضريراً في زمن الإمام الباقر .

وهنا قد يقال بأن هذا يتنافى مع المتسالم عليه عند جملة من المؤرخين والرواة من عمى جابر في ذلك الزمان، والذي قد يستدل عليه برواية عطية عن جابر في زيارة الأربعين لقبر الحسين ففيها أن جابراً قال له: «ألمسنيه فألمسته فخرَّ على القبر»11.
ولكننا نجيب عن الاستدلال بهذه الرواية بأنها غير صريحة بعمى جابر، إذ يحتمل أنه قال «ألمسنيه» بعد أن أصابه الوهن والضعيف من هول المصاب فلم يعد قادراً على التقدم إلى القبر.

أما بالنسبة للتسالم الحاصل في عمى جابر فهو إن كان فإن القدر المتيقَّن منه هو عماه في آخر عمره، فقد نقل إبن عبد البر في الاستيعاب أنه كف بصره في آخر عمره12، أما عماه قبل ذلك فمحل نقاش، بل قد يُدَّعى أنه كان بصيراً قبل ذلك الوقت بدليل رواية أبي بصير المتقدمة، إضافة إلى جملة من الروايات التي قد صرحت بأن جابراً كان بصيراً في زمن ملاقاته للإمام محمد الباقر وفي بعضها «فلما نظر إليه أي إلى الباقر قال: يا غلام أقبل فأقبل، ثم قال: أدبر، فقال: شمايل رسول الله، والذي نفس جابر بيده»13.

ولا نريد التعرض لهذا الموضوع ـ هنا ـ بشكل مفصل، وإنما ذكرنا ما تقدم حتى لا يعترض البعض عند قراءته لرواية أبي بصير بأنها تتنافى مع ما عُرف من عمى جابر في ذلك الزمان.

الشيخ أكرم بركات.

  • الزيارات: 2065