قال الله تعالى: " قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "1.
حثّ الإسلام على زيارة أهل الإيمان، فعن الرسول الأكرم (ص): "من زار أخاه في بيته قال الله عزّ وجلّ له:
بسم الله الرحمن الرحيم
زيارة الحسين (ع)
قال الله تعالى: " قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى "1.
حثّ الإسلام على زيارة أهل الإيمان، فعن الرسول الأكرم (ص): "من زار أخاه في بيته قال الله عزّ وجلّ له: أنت ضيفي وزائري، عليّ قراك..."2، وعن الإمام الصادق (ع): "من زار أخاه في الله قال الله عزّ وجلّ: إياي زرت، وثوابك عليّ، ولست أرضى لك ثوابًا دون الجنّة"3.
وانطلاقًا من الاعتقاد بحياة أهل الإيمان في عالم البرزخ حثَّ الإسلام على زيارة القبور، فعن أمير المؤمنين (ع): "زوروا موتاكم؛ فإنّهم يفرحون بزيارتكم"4.
وبهدف إحياء قيم الإيمان والجهاد والشهادة كانت السيّدة الزهراء (ع)، كما في الرواية عن الإمام الصادق (ع): "...تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرّتين الاثنين والخميس، فتقول: ههنا كان رسول الله، ههنا كان المشركون"5.
زيارة الأولياء
تأكيدًا على حياة الأولياء في البرزخ، وعلى فعّاليتهم في ذلك العالم، وإصرارًا على إحياء تعاليمهم وقيمهم، ورد في الروايات الحثّ على زيارتهم أحياءً في عالم الدنيا، وأحياءً في عالم البرزخ، وقد بيّن الرسول الأكرم (ص) الثواب العظيم على مثل هذه الزيارة بقوله الوارد عنه في جواب على سؤال من الإمام الحسين (ع) يسأله فيه عن جزاء زيارته صلّى الله عليه وآله، فقال (ص) له (ع): "من زارني حيًّا أو ميتًا، أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك، كان حقًّا عليّ أن أزوره يوم القيامة، وأخلّصه من الذنوب"6.
خصوصيّات الإمام الحسين (ع)
لعلّ نهضة عاشوراء، ودورها في بقاء الإسلام المحمّدي الأصيل، وإرادة أن تتحوّل إلى ثقافة متجدّدة في الأمّة منح ما يرتبط بالإمام الحسين (ع) بعض الخصوصيّات. فصلاة المسافر تصحّ تمامًا تحت قبّته، وأكل الطين محرّم إلاّ من تربته7 التي ورد أنّها تخرق الحجب السبعة8، وتجعل السبّحة المصنوعة منها مسبِّحة من دون تسبيح صاحبها9...الخ.
وهكذا حال زيارته التي كان لها خصوصيّة وميزة تتبيّن من خلال العناوين الآتية:
1- زيارة الحسين (ع) من أحبّ الأعمال
عن الإمام الصادق (ع): "من أحبّ الأعمال إلى الله تعالى زيارة قبر الحسين"10.
وورد أنّ أبا خديجة سأل الإمام الصادق (ع): ما يبلغ من زيارة قبر الحسين بن عليّ (ع): قال (ع): "أنّه أفضل ما يكون من الأعمال"11.
2- زائر الحسين (ع) كزائر الله في عرشه
عن الإمام الصادق (ع): "من زار قبر الحسين بن عليّ(ع) عارفًا بحقّه كان كمن زار الله في عرشه"12.
3- زائر الحسين (ع) في علّيّين
عن الإمام الصادق (ع): "من أتى قبر الحسين (ع) عارفًا بحقّه كتبه الله في أعلى علّيّين"13.
4- زائر الحسين (ع) في ظلّ العرش:
عن أحد الإمامين الباقر والصادق (ع): "يا زرارة، إنّه إذا كان يوم القيامة جلس الحسين (ع) في ظلّ العرش، وجمع الله زوّاره وشيعته ليبصروا من الكرامة والنصرة والبهجة والسرور إلى أمر لا يعلم صفته إلاّ الله"14.
5- زائر الحسين (ع) تحت لوائه
سئل الإمام الصادق (ع) ما لمن أتى قبر الحسين (ع)؟، فقال (ع): من أتى قبر الحسين (ع) شوقًا إليه كان من عباد الله المكرمين، وكان تحت لواء الحسين (ع) حتى يدخلهما الجنّة جميعًا"15.
6- زيارة الحسين (ع) حقّ
عن الإمام الصادق (ع): "لو أنّ أحدكم حجّ دهره، ثمّ لم يزر الحسين بن عليّ (ع) لكان تاركًا حقًّا من حقوق الله وحقوق رسول الله؛ لأنّ حقّ الحسين فريضة من الله واجبة على كلّ مسلم"16.
وقد ورد ما يقرِّب من هذا المعنى أكثر من حديث، ممّا دعا بعض العلماء إلى القول بوجوب زيارته عليه السلام.
قال المولى المجلسيّ الأوّل17: "بل يظهر من الأخبار الكثيرة وجوب زيارته، ولهذا قال به جماعة من أصحابنا"18.
وقال العلاّمة الحلّيّ: "وقد جاءت روايات كثيرة في فضل زيارته، بل في وجوبها"19.
7- من لم يزر الحسين (ع) ناقص الدين
عن الإمام الباقر (ع): من لم يأتِ قبر الحسين (ع) من شيعتنا كان منتقص الدين منتقص الإيمان، وإن أُدخل الجنّة، كان دون المؤمنين في الجنّة"20.
8- زائر الحسين (ع) تستغفر له الملائكة
عن الإمام الصادق (ع): "زوروا الحسين (ع) ولو كلّ سنة...إنّ الله وكّل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك كلّهم يبكونه ويشيّعون من زاره إلى أهله، فإن مرض عادوه، وإن مات حضروا جنازته بالاستغفار والترحّم عليه"21.
9- زائر الحسين (ع) يناله دعاء الصادق (ع)
عن معاوية بن وهب قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) وهو في مصلاّه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه فيقول: "يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا الشفاعة، وحملنا الرسالة، وجعلنا ورثة الأنبياء، وختم بنا الأمم السالفة، وخصّنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا، اغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (ع) الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسرورًا أدخلوه على نبيّك محمد (ص)، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظًا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك فَكَافِهِم عنّا بالرضوان، وأكْلأَهم بالليل والنهار واخلُف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخَلَف، وأَصحِبْهم واكفهم شرَّ كلّ جبّار عنيد، وكلَّ ضعيف من خلقك وشديد، وشرَّ شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أمِلُوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما أَثِروا على أبنائهم وأبدانهم وأهاليهم وقراباتهم ، اللهمَّ إنّ أعداءنا أعابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافًا عليهم ، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلّبت على قبر أبي عبد الله الحسين (ع)، وارحم تلك العيون التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، اللهمَّ إنّي أستودعك تلك الأنفسَ وتلك الأبدانَ حتى ترويَهم من الحوض يوم العطش، فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد فلمّا انصرف قلت له: جعلت فداك لو أنّ هذا الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أنّ النار لا تَطْعَم منه شيئا أبدًا ، والله لقد تمنّيت إن كنتُ زرته ولم أحجّ، فقال لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك عن زيارته يا معاوية...، قلت: جعلت فداك فلم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا، فقال: يا معاوية، ومن يدعو لزوّاره في السماء أكثر ممّن يدعو لهم في الأرض. لا تدعه لخوف من أحد، فمن تركه لخوف رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان بيده22. أما تحبّ أن يرى الله شخصَك وسوادَك ممّن يدعو له رسول الله (ص)؟ أما تحبّ أن تكون غدًا ممن تصافحه الملائكة ؟ أما تحبّ أن تكون غدًا فيمن رأى وليس عليه ذنب فتتبع ؟ أما تحبّ أن تكون غدًا فيمن يصافح رسول الله (ص)؟"23.
أعابوا عليهم خروجهم
إنّه مقطع من الرواية السابقة التي وضعت زائري الإمام الحسين (ع) بتحدّي الأعداء الذين أعابوا عليهم هذه الزيارة، تُرى بأيّ شيء أعابوا عليهم ذلك؟
أ- هل عيب زيارة الحسين (ع) أنّه قد استُشهد ورحل عن الدنيا وهو في غيابه عن الدنيا لا ينفع الوصال معه، كحدّ قول ذلك الوهّابيّ: عصاي هذه خير من محمّد؛ لأنّ عصاي تنفع وهو مات لا ينفع.
ألم يقرأ هذا القائل قول الله تعالى: " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ "24.
إذا كان هذا حال الشهداء فكيف بحال نبيّ الشهداء الذي ورد أنّه قال: "من زارني بعد وفاتي وسلّم عليّ رددت عليه السلام عشرة، وزاره عشرة من الملائكة يسلّمون عليه"25.
وكيف بحال سيّد الشهداء الذي تقدّم عن رسول الله (ص) بأنّ من زاره [ أي زار الحسين (ع)] "كان حقًّا عليّ أن أزوره يوم القيامة، وأخلّصه من الذنوب"26.
ب- هل عيب هؤلاء أنّهم يمشون لزيارة الإمام الحسين (ع) وفي هذا إرهاق لأبدانهم في غير الموضع الصحيح كما نسمع، وللأسف، هذه الأيام من يتعرّض لذلك وكأنّهم أغفلوا الأحاديث الكثيرة التي تحثّ على زيارته مشيًا على الأقدام.
1- فعن الإمام الصادق (ع): "إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين، فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرةُ لذنوبِه، ثمّ لم يزل يُقَدَّس بكلّ خطوة حتى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى، فقال: عبدي سلني أُعطك، أدعني أجبك، أطلب منّي أعطك، سلني حاجتك أقضها لك... وحقّ على الله أن يعطي ما بذل"27.
2- وعنه (ع): "إنّ من أتى قبر الحسين ماشيًا كتب الله له بكلّ خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة"28.
3- وعنه (ع): " من أتى قبر الحسين ماشيًا كتب الله له بكلّ خطوة، وبكلّ قدم يرفعها، ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل"29.
4- وعنه (ع): "من اغتسل في الفرات ثمّ مشى إلى قبر الحسين (ع) كان له بكلّ قدم يرفعها ويضعها حجّة متقبّلة بمناسكها"30.
5- ورد أنّه جاءت امرأة إلى الإمام الصادق (ع)، فقال لها: أين كنت منذ أمس؟ قالت: كنت عند قبور الشهداء، قال (ع): الحسين (ع) وأصحابه، قالت: أزوره؟ قال(ع): زوريه؛ فإنّه أعظم أجرا من حجّة وعمرة، وحجّة وعمرة حتى عدّ عشرًا، قالت: ما لم خطا إليه ماشيًا؟ قال (ع): بكلّ خطوة حجّة وعمرة"31.
ج- هل عيب زيارة الزيارة إنفاق الزائر فيها، وهو أحوج له من أمور معيشته؟
وكيف يكون الإنفاق معيبًا، وقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "من أتى قبر أبي عبد الله، فقد وصل رسول الله (ص)، ووصلنا، وحرمت غيبته، وحرم لحمه على النّار، وأعطاه الله بكلّ درهم أنفقه عشرة آلاف مدينة له في كتابٍ محفوظ، وكان الله من وراء حوائجه"32.
د- هل عيب زيارة الحسين (ع)، في زمن المحن هو تعرّض الزائر نفسه للقتل، كما كان القانون الجائر الذي سُنّ في التاريخ، أو كما هو حال اليوم في العمليّات التفجيريّة، ومنها الانتحاريّة.
إنّ هؤلاء المعيبين لم يفقهوا ما ورد عن الإمام الصادق (ع) حينما سئل عن المقتول عند الحسين جورًا؟ فقال (ع): أوّل قطرة من دمه يُغفر له بها كلُّ خطيئة، وتغسِلُ طينتَهُ التي خلق منها الملائكةُ حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلَصين، ويذهب عنها ما كان خالَطَها من أجناس طين أهل الكفر، ويُغسل قلبُه ويُشرَح، ويُملأ إيمانًا فيلقى الله وهو مخلص من كلّ ما يخالطه الأبدانُ والقلوب، ويُكتب له شفاعةٌ في أهل بيته وألفٌ من إخوانه، وتَولَّى الصلاةَ عليه الملائكةُ من جبرئيل وملكِ الموت (ع)، ويؤتى بكفنه وحنوطِه من الجنّة، ويوسَّعُ قبرُه عليه، ويوضَعُ له مصابيحُ في قبره، ويُفتَحُ له باب من الجنّة، وتأتيه الملائكة بالطرف من الجنّة، ويُرفع بعد ثمانية عشر يومًا إلى حظيرة القدس، فلا يزال فيها مع أولياء الله حتى تصيبه النفخةُ التي لا تبقي شيئًا، فإذا كانت النفخة الثانية وخرج من قبره كان أوّلَ من يصافحه رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) والأوصياء ويبشّرونه ويقولون له ألزمنا ويقيمونه على الحوض فيشرب منه ويسقي من أحبّ"33.
1 سورة الشورى، الآية 23.
2 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج71، ص 345.
3 المصدر السابق نفسه.
4 المصدر السابق، ج75، ص 347.
5 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج3، ص 228.
6 الصدوق، محمّد، الهداية، ص 255.
7 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج101، ص 129.
8 المصدر السابق، ص 135.
9 المصدر السابق، ص 133.
10 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج14، ص 499.
11 المصدر السابق نفسه.
12 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج98، ص 77.
13 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج14، ص 418.
14 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج98، ص 75.
15 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج14، ص 497.
16 المصدر السابق، ج10، ص 333.
17 هو العلاّمة المجلسيّ صاحب البحار.
18 المجلسيّ، محمّد تقي، روضة المتّقين، ج5، ص 376.
19 الحلّيّ، يوسف، المستجاد من الإرشاد، ص 160.
20 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج98، ص 4.
21 المصدر السابق، ص 2.
22 هناك احتمالات في تفسير هذا المقطع هي: 1- يتمنّى أن يكون زاره متيقّنًا الموت. 2- كناية عن كون الزيارة سببًا لقتله. 3- يتمنى أن يكون خروجه من القبر باختياره فيخرج ويزور.
23 الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ص 95-96.
24 سورة آل عمران، الآيتان 169-170.
25 الأميني، الغدير، ج5، ص 107.
26 الصدوق، محمّد، الهداية، ص 255.
27 الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ص 91.
28 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج14، ص 440.
29 المصدر السابق، ص 441.
30 الطوسيّ، محمّد، تهذيب الأحكام، ج6، ص 53.
31 الشجري، محمّد، فضل زيارة الحسين، ص 63.
32 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج14، ص 480.
33 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج98، ص 79.