الإمام علي (عليه السلام) وآية الولاية
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾
الإمام علي (عليه السلام) وآية الولاية
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[1].
معنى الولاية
الولاية من المصطلحات الإسلاميّة الأصيلة التي طالما تكرّرت مادتها في القرآن الكريم بقوالب مختلفة "وليّ، أولى، أولياء، يتولّى...". وقد وصلت الكلمات القرآنية التي هي قوالب لمادة الولاية إلى 236 كلمة.
والولاية في مفهومها العام تتضمّن معنيين:
الأول: القرب الخاص، فحينما يقال: الصف الأول يليه الصف الثاني أي أنّه الأقرب إليه من دون فصل.
الثاني: التدبير، فحينما يقال: فلان وليّ الميت، أي هو إضافة إلى كونه أقرب الناس إليه، المعني في تدبير أموره، فهو الذي يراجع في تجهيزه ومالياته وما شاكل.
وهكذا حينما يقال: فلان والي المدينة، فهو صاحب التدبير والسلطة فيها، باعتباره أقرب الناس إلى أمورها التدبيريّة.
ولاية الله
على ضوء ما تقدّم، فإنّ معنى إنّما وليّكم الله هو أنّ الله تعالى الأقرب إليكم وصاحب التدبير عليكم وقد أكّد القرآن الكريم هذين الأمرين.
أ- ففي المعنى الأوّل (الأقرب إليكم)، قال تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[2].
﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾[3].
قال أبو حنيفة للإمام الصادق (عليه السلام): "رأيت ابنك موسى (عليه السلام)يصلي والنّاس يمرون بين يديه، فلا ينهاهم، وفيه ما فيه.
فقال له أبو عبد الله: "أدعوا لي موسى"، فدعي، فقال (عليه السلام)له: "يا بنيّ، إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت تصلّي والناس يمرّون بين يديك، فلم تنههم، فقال (عليه السلام): نعم يا أبت، إنّ الذي كنت أصلّي له كان أقرب إليّ منهم، يقول الله عزّ وجل: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[4].[5]
ب- وفي المعنى الثاني: صاحب التدبير عليكم
قال تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ﴾[6].
والآية تشير إلى المسلك الاعتقادي لمشركي قريش الذين كانوا يعتقدون بأن الخالق هو الله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[7].
لكنّهم كانوا يعتقدون أنّ أمور التدبير المستقلّ تعالى عن الله هو للأصنام، لذا فهم كانوا يرفضون ولاية الله تعالى بهذا المعنى.
وهذه الولاية التدبيريّة هي التي كانت محور الصراع الأساسي بين المشركين ورسل الله عزّ وجل.
والقرآن الكريم يؤكّد أنّ هذه الولاية هي لله وحده لا يمكن أن يستقلّ غيره بها، وكلّ ولاية إن لم ترجع إلى ولاية الله فهي باطلة.
على هذا الأساس تحدّثت آية الولاية في سورة المائدة عن ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) ثم ولاية الوصي.
ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله)
بناءًا على المعنى المتقدّم للولاية، فإنّ ولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي بمعنى أنّه الأقرب للمؤمنين، وأنّه صاحب التدبير عليهم.
أ) أمّا المعنى الأوّل (الأقرب)، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"[8].
قصة أبي رافع
عن أبي رافع قال: "دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو نائم، أو يوحى إليه، وإذا حية في جانب البيت فكرهت أن أقتلها فأوقظه، فاضطجعت بينه وبين الحية حتى إن كان منها سوء يكون إليّ دونه"[9].
ب) أمّا المعنى الثاني (صاحب التدبير) فقد قال الله تعالى فيه: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[10].
وقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن معنى هذه الولاية فأجاب :"السمع والطاعة فيما أحببتم وكرهتم"[11] وهذا المعنى ما أكّده قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾[12].
ولاية الوصي (عليه السلام)
وتكمل الآية حديثها عن ولاية الوصي ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[13].
من الواضح أنّ الآية لا تتحدّث عن جماعة تحقّق منهم ما ذكر فيها، فليس من عادة المؤمنين أن يؤتوا صدقاتهم وهم راكعون، بل إنّ موضوعها خاص ومحدّد تحدّثت عنه الروايات بتفصيل، كتلك الرواية التي وردت عن أبي ذر (رض):
"صليت مع رسول الله يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهمَّ اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليَّ راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبي (صلى الله عليه وآله) فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم موسى سألك فقال : ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾[14] : فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ [15]. اللهم وأنا محمد نبيَّك وصفيَّك، اللهمَّ واشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري. قال أبو ذر : فما استتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله تعالى : فقال: يا محمد، اقرأ[16] قال: وما اقرأ، قال اقرأ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[17].
إذاً الآية تفيد: إنّما وليكم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام).
وبناءًا على ما تقدّم من معنى الولاية، فإنّ ولاية الإمام علي (عليه السلام)على المؤمنين هي بمعنيين:
الأول: أنّه الأقرب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقد أكّد القرآن الكريم على تفعيل هذا القرب المعنوي للإمام علي (عليه السلام)في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾[18]. وقد سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودّتهم؟ قال(صلى الله عليه وآله): "علي وفاطمة وولداها"[19].
الثاني: أنّه صاحب التدبير على المؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهذا ما أكّده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غدير خم حينما ربط ولاية علي بولايته على المؤمنين فقال: "أيها الناس، إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه"[20].
وللافت في آية الولاية أنّها نزلت في موردٍ جمع فيه الإمام علي (عليه السلام)بين أمرين هما الصلاة والصدقة، وبعبارة أخرى بين التوجّه إلى الله، وخدمة الإنسان فكم صلى عليٌ (عليه السلام)وصلّى، وكم تصدّق، لكن الله تعالى لم ينزل آية الولاية إلاّ حينما جمع بين الصلاة والصدقة وكأنّه أراد أن يعطي درساً للناس أنّ الإمامة الكبرى هي لأولئك الذين ذابوا في لقاء الله، وهم في عمق هذا الذوبان لم يغفلوا عن خدمة الناس.
من لطيف ما ورد حول هذا الأمر العميق هو حوار مع الخطيب البغدادي حينما كان يحدّث الناس عن مورد نزول آية الولاية في أمير المؤمنين (عليه السلام)حينما تصدّق بالخاتم، إذ سأله أحدهم: كيف التفت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)إلى الفقير وهو يصلّي لله، ومن المعروف عن علي (عليه السلام)أنّه كان حينما يصلّي لا يلتفت إلى شيء غير الله، ولعلّ ذلك السائل كان يستحضر قضيّة النصل الذي دخل في رِجل علي (عليه السلام)، حيث روي: "أنّه وقع نصل في رجله، فلم يمكن أحداً من إخراجه. فقالت فاطمة (عليه السلام): أخرجوه في حال صلاته، فإنّه لا يحسّ حينئذٍ بما يجري عليه، فأخرج وهو في صلاته، فلم يحسّ به أصلاً"[21].
نعم، لقد أشكل الأمر على السائل: كيف يلتفت علي (عليه السلام)إلى الفقير وهو في صلاته لله!!؟
إلاّ أنّ الخطيب البغدادي أجابه بردّ جميل في بيتي شعر يقول له فيهما وهو يتحدّث عن حالة لقاء الله في الصلاة مشبّهاً لها بحالة السّكر التي يعيش فيها الإنسان عادة حالة الأنانيّة، فلا يلتفت إلى نديمه فيها إلاّ أنّ الأمر يختلف مع علي (عليه السلام)قال له:
يُسقي ويشرب لا تلهيه سكرته عن النديم ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتى تمكّن مـن فعل الصحاة فهذا أعظم الناس[22].
[1] سورة المائدة، الآيتان 55-56.
[2] سورة ق، الآي 16.
[3] سورة الأنفال، الآية 24.
[4] سورة ق، الآي 16.
[5] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، ط3، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367، ج3، ص297.
[6] سورة الشورى، الآية 9.
[7] سورة لقمان، الآية 25.
[8] الشهيد الثاني، مسكن الفؤاد، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (ع)، ط1، قم، 1407، ص27.
[9] الميرزا النوري، خاتمة المستدرك، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (ع)، ط1، قم، 1416، ج3، ص165.
[10] سورة الأحزاب، الآية 6.
[11] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج37، ص127.
[12] سورة الحشر، الآية 7.
[13] سورة المائدة، الآية 55.
[14] سورة طه، الآيات 25-32.
[15] سورة القصص، الآية 35.
[16] الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج6، ص 21.
[17] سورة المائدة، الآية 55.
[18] سورة الشورى، الآية 23.
[19] انظر: الطباطبائي، تفسير الميزان، ج18، ص52. - الرازي، التفسير الكبير، منشورات مكتب الأعلام الإسلامي، ط30، ج27، ص166.
[20] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج33، ص 147.
[21] النراقي، محمد مهدي، جامع السعادات، ج3، ص263.
[22] ابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ، ج1، ص 3.