
مقاومة الظالم
" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ " 1.
إنّ الهدف من خلق الإنسان يمكن اختصاره بكلمة واحدة هي " الكمال " ، فالله تعالى الذي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقاومة الظالم
" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ " 1.
إنّ الهدف من خلق الإنسان يمكن اختصاره بكلمة واحدة هي " الكمال " ، فالله تعالى الذي هو الكمال المطلق أراد من خلقة الخلق، ومنهم الإنسان، أن يسيروا في طريق تكاملهم، وهذا الكمال كما كان غاية الإنسان الفرد، فهو، أيضًا، غاية المجتمع الإنسانيّ الذي تحدّث النبيّ الأكرم (ص) عن لا بدِّية وصوله إلى الكمال بقوله (ص): " لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا... " 2.
ونلاحظ أنّ عنوان التكامل في المسيرة البشريّة هو عنوان العدل الذي هو مقابل الظلم.
وهذا يعني أنّ على المجتمع الإنسانيّ أن يسعى دائمًا لدفع الظلم وإحلال العدل.
والظلم الذي على المجتمع البشريّ أن يواجهه ويقاومه على أنواع منه ما يتعلّق بالفرد، ومنه ما يتعلّق بالمجتمع، والذي يحقّق التكامل البشريّ لقافلة الإنسانيّة في زمن الإمام المهديّ (عج) هو القضاء على الظلم الاجتماعيّ، والتمهيد لتلك الدولة الإلهيّة العادلة يكون بالسعي للحدّ من هذا الظلم.
من هنا كان تسليط الضوء القرآنيّ على الظالمين للمجتمع في أمرين هما:
الأوّل: التدخّل الإلهيّ في مسيرة الظالمين.
الثاني: المطلوب من المؤمنين في مواجهتهم.
التدخّل الإلهيّ تجاه الظالمين
حدّثنا القرآن الكريم عن مقام العذاب والخزي للظالمين في الآخرة، ولم يقتصر حديثه على ذلك العقاب، بل طرح عدّة أمور يتدخّل الله من خلالها مقابل ظلم الظالمين وهي:
1- حرمانهم من الهداية
يقول الله تعالى: " وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " 3، فهم خارجون عن دائرة التوفيق والتسديد الإلهيّ الذي ينعم به المؤمنون.
2- إضلالهم
لم يقتصر الموقف الإلهيّ من الظالمين على حرمانهم من الهداية، بل إنّ الله تعالى أخبرنا بأنّه يُضلّهم عن الطريق السويّ، مقابل تثبيت المؤمنين فيه، قال الله تعالى: " يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ " 4.
3- تسليط بعضهم على بعض
قال الله تعالى: " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ " 5.
وقد ورد عن الإمام الباقر (ع): " ما انتصر الله من ظالم إلاّ بظالم، وذلك قوله عزّ وجلّ: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ6) " 7.
4- سوء العاقبة
وهو ما عرضه القرآن الكريم أثناء تعرّضه للكثير من الظالمين الذين كان ظلمهم عقبة في وجه مسيرة التكامل البشريّ، ودعا عزّ وجلّ إلى الاتّعاظ بسوء عاقبتهم، قال تعالى: " فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ " 8.
المطلوب من المؤمنين في مواجهة الظالمين
دعا الإسلام أن يواجه الظالمين بخطوات عديدة منها:
1- إعداد القوّة
على المؤمنين في مواجهتهم للظالمين أن يبنوا ويعدّوا القوّة، في إطار تلك المواجهة، لأن كونهم ضعفاء يدعو الظالمين إلى ظلمهم، وهذا ما أشار إليه الله تعالى في قوله: " رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 9، وبتعبير السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ فإنّ " الذي يغري الأقوياء الظالمين على الضعفاء المظلومين هو ما يشاهدون فيهم من الضعف، فيفتنون به فيظلمونهم، فالضعيف بما له من الضعف فتنة للقول الظالم " 10.
وعليه فإنّ المجتمع الذي يواجه الحاكم الظالم عليه أن يسعى ليكون قويًّا، فإنّ قوّته من أهمّ خطوات المواجهة.
2- المقاطعة
من الأمور التي أشارت الروايات إليها في مُقاومة الظالم هي مقاطعته وعدم تقديم المعونة له، فعن النبيّ (ص) وهو يتحدّث عن الحاكم الظالم: " إيّاكم ومخالطة السلطان، فإنّه ذهاب الدين، وإيّاكم ومعونته؛ فإنّكم لا تحمدون أمره " 11.
ومن وصايا النبيّ (ص): " يا عليّ، كفر بالله العظيم من هذه الأمّة عشرة...وبائع السلاح من أهل الحرب " 12.
ولعلّ من أهمّ النّصوص التي تدعو إلى مقاطعة الحاكم، وعدم تقديم المعونة له ما ورد عن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل [أي الإمام الكاظم (ع)] فقال لي: يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئًا واحدًا، قلت: جعلت فداك أيّ شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، -يعني هارون- قال: والله ما أكريته أشرًا ولا بطرًا ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق- يعني طريق مكّة-، ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال: فقال لي: أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النّار " 13.
3- الموقف السياسيّ
إنّ من أساليب مواجهة الحاكم الظالم هو التعبير عن الحقّ أمام ظلمه، وهذا ما أشار إليه الرسول الأكرم (ص) بقوله: " أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر " 14.
وقد سجّل التاريخ الإسلاميّ مواقف أضحت خالدة لمظلومين أمام قوى الظلم.
من أمثال ذلك موقف ميثم التمّار الذي وقف أمام عبيد الله بن زياد خطيبًا يدعوه إلى التزام الحقّ ودفع الظلم فقال أحدهم لابن زياد: أصلح الله الأمير تعرف هذا المتكلّم؟ قال ومن هو؟ قال هذا ميثم التمّار الكذّاب مولى الكذّاب عليّ بن أبي طالب قال فاستوى جالسًا فقال لي: ما يقول؟ فقلت كذّب أصلح الله الأمير بل أنا الصادق مولى الصادق عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين حقًّا، فقال لي: لتبرأنّ من عليّ ولتذكرنّ مساويه، وتتولّى عثمان وتذكر محاسنه أو لأقطعنّ يديك ورجليك ولأصلبنّك، فبكى ميثم، قال له ابن زياد: بكيت من القول دون الفعل، فقال: والله ما بكيت من القول، ولا من الفعل ولكن بكيت من شكٍّ كان دخلني يوم خبّرني سيّدي ومولاي، قال لي: وما قال لك؟ قال: قلت أتيت الباب، فقيل لي: إنّه لنائم، فناديت انتبه أيّها النائم، فوالله لتخضبنّ لحيتك من رأسك قال: صدقت، وأنت والله ليقطعنّك يديك ورجليك ولسانك ولتصلبنّ، فقلت: ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين؟ فقال: يأخذك العتلّ الزنيم ابن الأمة الفاجرة عبيد الله بن زياد. قال: فامتلأ غيظًا، ثمّ قال: والله لأقطعنّ يديك ورجليك ولأدعنّ لسانك حتى أكذّبك، وأكذّب مولاك، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثمّ أخرج فأمر به أن يصلب فنادى بأعلى صوته: أيّها النّاس، من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن عليّ بن أبي طالب (ع)، فاجتمع النّاس، وأقبل يحدّثهم بالعجائب، قال وخرج عمرو بن حريث وهو يريد منزله، فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا ميثم التمّار يحدِّث النّاس عن عليّ بن أبي طالب (ع)، قال: فانصرف مسرعًا، فقال أصلح الله الأمير بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه، فإنّي لست آمن أن يتغيّر قلوب أهل الكوفة، فيخرجوا عليك قال: فالتفت إلى حرسٍ فوق رأسه، فقال اذهب فاقطع لسانه، قال: فأتاه الحرسي فقال له، يا ميثم، قال: ما تشاء؟ قال: أخرج لسانك، فقد أمرني الأمير بقطعه، فقال ميثم: ألا زعم ابن الأمة الفاجرة أنّه يكذّبني ويكذّب مولاي، هاك لساني فاقطع... " 15.
4- المقاومة بالسلاح
عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: " أيّها المؤمنون إنّه من رأى عدوانًا يعمل به، ومنكرًا يدعى إليه، فأنكره بقلبه، فقد سلم، وبرئ، ومن أنكره بلسانه، فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين " 16.
وحتى لا تبتلى الأمّة بفوضى بسبب عدم الفهم الصحيح لهذه المفاهيم أكّد الإسلام على كون الجهاد يحتاج إلى قيادة مرجعيّة بصيرة في قضايا المجتمع، فعن الإمام عليّ (ع): " فإنّما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه " 17.
فإذا وجدت هذه القيادة الشرعيّة الحكيمة ودعت إلى العمل الجهاديّ، يكون الخير العظيم، وينطبق عليه ما ورد من حثٍّ على السلاح، كالأحاديث النبويّة:
-" الخير في السيف، والخير مع السيف، والخير بالسيف " 18.
-" الجنّة تحت ظلال السيوف " 19.
-" من سلّ سيفه في سبيل الله، فقد بايع الله " 20.
ونحن اليوم أمام مناسبتين تتعلّقان بالموقف من الظالم، الأولى: ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران في 11 شباط 1979 حيث وقّت الإمام الخمينيّ (ره) لرفع الظلم عن الشعب الإيرانيّ، ولإطلاق ميلاد القوّة والعزّة لمدرسة الإسلام المحمّديّ الأصيل المتمثّلة بمذهب أهل البيت (ع).
والمناسبة الثانية هي ذكرى شهداء قادة قاوموا الاحتلال بتهيئة مجتمع القوّة، ومقاطعة العدوّ " فالموقف السلاح والمصافحة اعتراف " ، وبالموقف السياسيّ الذي رفع من رصيد وعي المجتمع والمقاومة المسلّحة التي استطاعت أن تعيد العزّة والكرامة للوطن والأمّة.
1 سورة البقرة، الآية 193.
2 الصدوق، محمّد، كمال الدين وتمام النّعمة، ص 318.
3 سورة البقرة، الآية 258.
4 سورة إبراهيم، الآية 27.
5 سورة الأنعام، الآية 129.
6 سورة الأنعام، الآية 129.
7 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ص 334 .
8 سورة يونس، الآية 39.
9 سورة يونس، الآية 85.
10 الطباطبائيّ، محمّد، تفسير الميزان، ج 10، ص 114.
11 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 10، ص 368.
12 المصدر السابق، ج 69، ص 122.
13 الحرّ العاملي، زين الدين، وسائل الشيعة، ج 17، ص 182.
14 الطوسي، محمّد، التبيان، ج 2، ص 422.
15 النيسابوريّ الفتال، روضة الواعظين، ص 288 - 289 .
16 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج 16 ، ص 133.
17 الكليني، محمّد، الكافي، ج 7، ص 52.
18 الريشهري، محمّد، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1330.
19 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 97، ص 13.
20 الريشهري، محمّد، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1331.