نزول القرآن الكريم

image

نزول القرآن الكريم

متى نزل القرآن ؟

حينما يطرح هذا السؤال عن زمن نزول القرآن الكريم يجد المسلم أمامه ثلاثة أجوبة قد توجب حيرته.

نزول القرآن الكريم

متى نزل القرآن ؟

حينما يطرح هذا السؤال عن زمن نزول القرآن الكريم يجد المسلم أمامه ثلاثة أجوبة قد توجب حيرته.

1- الجواب الأول: أن القرآن نزل في شهر رمضان المبارك وبالتحديد في ليلة القدر. وقد نصّ الله على هذا بقوله تعالى ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هذى ً للناس(سورة البقرة آية 185) وقال تعالى في أول سورة القدر ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر.

2- الجواب الثاني: إن القرآن نزل متفرقا ً طوال مدة الدعوة وهي حوالي 23 سنة وفي هذا يقول تعالى ﴿وقرآنا ً فرّقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا(الإسراء 106)

3- الجواب الثالث: إن أول آيات القرآن نزلت في 27 رجب على ما تفيده أقوى الروايات وأشهر الأقوال من أنّ النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قد بعث في هذا التاريخ وفيه نزلت أوائل آيات القرآن الكريم في بداية سورة العلق ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق

وأمام هذه الأجوبة الثلاثة التي يعتمد كل منها على دليل قوي، ما هو الجواب الصحيح الذي يُذهب الحيرة في ذلك؟

الفرق بين الإنزال والتنزيل
لمعرفة الحق في هذه المسألة لا بد من بيان معاني مفردات ثلاثة هي:

1- النزول: فهو عبارة عن الورود على المحل من العلو. والعلو تارة يكون مكانيا ً مثل علا الطائر إذا ارتفع عن مستوى الأرض، وتارة يكون شأنيا ً مثل "علا مستوى الطلبة"حين يزداد معارفهم. وعليه فمعنى نزول القرآن على النبي هو أنه (صلى الله عليه وآله) تلقَّى القرآن من جهة عليا.

2- الإنزال: هو النزول الدفعي

3- التنزيل: هو النزول التدريجي

وبالتفريق بين المعنيين النزول والتنزيل يُعرف الجواب الصحيح، فالآية التي تنص على أن إنزال القرآن كان في شهر رمضان "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"تدل على أنه أنزل دفعة واحدة في شهر رمضان بل تم النزول الدفعي قي ليلة واحدة كما نصّت الآية السابقة وكما نصّت آية أخرى هي ﴿حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة أما الآية التي تنص على تفريق القرآن في نزوله فهي تعبِّر عن التنزيل الذي يعني التدريج في النزول فالعبارة هي ﴿ونزَّلناه تنزيلوعليه تكون أول آية نزلت بالنزول التدريجي هي في 27 رجب لا في شهر رمضان المبارك.

معنى النزول الدفعي للقرآن
قد يُتساءل هنا عن معنى نزول القرآن دفعة واحدة مع أن هناك الكثير من الآيات لا يصح وقوعها قبل حصول حدث الخطاب مثل قوله تعالى ﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركم(سورة المجادلة 1) ومثل قوله تعالى ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا ً انفضوا إليها وتركوك قائما ً(الجمعة 11) وكذا فإن في القرآن آيات ناسخة وآيات منسوخة ولا معنى لاجتماعها في زمان واحد، وعليه فما معنى النزول دفعة واحدة في زمان واحد ؟

ويجيب العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان بأن معنى النزول الدفعي هو أن القرآن الكريم هو حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقتضي التفرق والتدريج ويمن أن يعبّر عن هذه الحقيقة بروح القرآن التي تحقق أغراضه الكلية التي يرمي إليها، فهذه الحقيقة هي التي نزلت على قلب الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) دفعة واحدة وتجلَّت لقلبه الشريف في زمن ٍ واحد ٍ، ثم بعد ذلك أنزل الله هذه الحقيقة ضمن بينات خاصة بحسب الظرف الناسب في الحادثة المناسبة.

وهذا المعنى توضحه عدة آيات في القرآن الكريم مثل قوله تعالى ﴿نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين (سورة الشعراء 194) وقوله تعالى ﴿حم * والكتاب المبين إنا جعلناه في قرآنا ً عربياً لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدنيا لَعليّ حكيم(أول سورة فصلت) فهذه الآية تفيد أن هناك كتابا مبينا هو عليّ لا تصعد إليه العقول وهذا الكتاب قد ألبسه الله لباس القراءة العربية ليعقله الناس وإلا فإنه في أم الكتاب عند الله تعالى.

ومما مرّ نفهم معاني عدة آيات من قبيل:
- ﴿فلا أقسم بمواقع النجوم * وأنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون لا يمسّه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين(الواقعة 80)
-﴿ولا تعجل بالقرآن قبل أن يقضي إليك وحيه(طه 114)
- ﴿ولا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرآناه فانبع قرآنه * ثم علينا بيانه(القيامة 19)
فهذه الآيات ظاهرة في أن النبي كان يعلم بما سينزل عليه، فنُهي عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي. ( راجع تفسير الميزان ج2 ص 15/16)
- ﴿الر، كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير(هود 1)
فهذه الآية تفيد أن القرآن كان محكما ً ثم فُصِّلت آياته بعد ذلك، وهذا ينسجم مع ما تقدم سابقا ً.

لماذا التدريج في النزول؟
قد يتساءل البعض عن العلة في عدم نزول القرآن دفعة واحدة للناس بدون تدريج فيه، فما هو الهدف من النزول التدريجي لهذا الكتاب الكريم؟

والجواب يحدده هدف الرسالة الإسلامية الذي هو تغيير المجتمع من الناحيتين: النظرية والسلوكية، وهذا التغيير لا يتم بعملية دفعية بل يحتاج إلى خطة منسقة ينبثق عنها حركة مدروسة تأخذ فترة من الزمن لتحقق غايتها.


وهكذا حصل في رسالة القرآن، حيث بدأ القرآن الكريم حركته في تغيير عقائد الناس وأفكارهم، ثم بعد ذلك راح ينظم القوانين والتعاليم التي تحقق الغاية السلوكية، وهذا ما نراه واضحاً حين نتدبر الآيات المكية والآيات المدنية، فإن الأولى طابعها العام عقائدي، بينما الآيات المدنية أخذت الطابع التشريعي بصورة غالبة.


وقد كان التدريج هو خطة النبي(صلى الله عليه وآله) في دائرة من يدعوهم إلى الإسلام أيضا ً. فقد ابتدأ النبي دعوته بتبليغ عشيرته الأقربين "وأنذر عشيرتك الأقربين"ثم اتسعت دعوته فبلّغها لمن حوله حتى بلغ بعد ذلك حج مخاطبة الملوك ورؤساء العالم عارضا ً عليهم الإسلام.


وكان التدريج هو خطة النبي في بعض الأحكام التي لا يحتمل المجتمع التغيير الدفعي فيها كما ورد في تحريم الخمر حيث تدرجت الآيات باسالوب الخطاب على النحو التالي:
- ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيها إثم كبير ومنافع للناس وإثمها أكبر من منافعه(البقرة 219)
- ﴿ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون(النساء 43)
- ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون(المائدة 90 ).

  • الزيارات: 2469