
صيانة القرآن من التحريف
معنى التحريف
للتحريف معنيان أساسيان هما:
صيانة القرآن من التحريف
معنى التحريف
للتحريف معنيان أساسيان هما:
الأول: التحريف من المعنى، أي أن تفسّر الألفاظ في غير المعاني المراد لها، وهذا المعنى من التحريف واقع في القرآن الكريم لأن كل من فسّر القرآن الكريم قد حرّفه (بهذا المنى الأول).
الثاني:التحريف في اللفظ، وله عدة معان ٍ المهم منها معنيان نركّز عليهما:
1- التحريف بالزيادة، بمعنى أن بعض هذا المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل من الله تعالى.
2- التحريف بالنقيصة، بمعنى أن المصحف الذي بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل من الله تعالى.
السؤال:
فهل القرآن الكريم محرّف بالمعنيين الأخيرين؟ وإن كان غير محرّف فما الدليل على ذلك؟
الجواب الإجمالي:
إن ما أكده التاريخ من اهتمام الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) والمعصومين(عليهم السلام) والصحابة(رض) بالقرآن الكريم كتابة وحفظاً وضبطاً حتى قتل في معركة واحدة في عهد النبي سبعون حافظا َللقرآن الكريم وقتل في يوم اليمامة سبعون آخرين بل قيل أربعماية من حُفَّاظ القرآن الكريم. لكن مع هذا نقيم الدليل على عدم تحريفه بالمعنيين السابقين.
الدليل على عدم تحريف القرآن بالزيادة:
نعرض لذلك دليلين:
1- إجماع المسلمين على عدم الزيادة بصورة التواتر الذي يولّد القطع بعدم الزيادة.
2- دليل عقلي خلاصته: لو كان في القرآن زيادة مطلب للزم اظطراب السبك ونظام الكلام، ولخرج عن صورته الأصلية المعجزة، فيجوز حينئذ تقليده والإتيان بمثله، وعليه فيكون نفس دليل إعجازه دليلا ً على صيانته من الزيادة.
الدليل على عدم تحريف القرآن بالنقيصة
بعد إثبات عدم الزيادة في القرآن الكريم نثبت عدم النقيصة بواسطة الكتاب والروايات.
أدلة الكتاب:
قوله تعالى: ﴿إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (الحجر9)
فإن هذه الآية التي اشتملت على تأكيدات كثيرة تدل على أن القرآن محفوظ حاضرا ً ومستقبلا ً بتدخل إلهي.
إشكال على الاستدلال بالآية:
قد يقول البعض: إن المراد بالذكر في الآية هو النبي محمد(صلى الله عليه وآله) لأن الله تعالى قد سمّى النبي الأكرم "ذكراً" في قوله تعالى ﴿قد أنزل عليكم ذكراً رسولا ً يتلو عليكم آيات الله﴾ (الطلاق 10- 11) ويردّ الإشكال، بأن احتمال إرادة الرسول من لفظ "الذكر" في قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر" غير وارد لأن هذه الآية مسبوقة بقوله تعالى: "وقالوا يا أيّها الذي نُزل عليه الذكر إنك لمجنون" ومن الواضح أن المراد من الذكر هنا هو القرآن الكريم. قوله تعالى: ﴿إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ (فصلت 42). فالآية تدل على نفي الباطل عن القرآن الكريم وهي عامة تشمل جميع أقسام الباطل ولا شك أن التحريف من أفراده.
أدلة الروايات
1- حديث الثقلين المتواتر عن النبي(صلى الله عليه وآله) وهو "أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ً" فلا معنى للأمر بالتمسك بالكتاب وتأييد نفي الضلالة بالتمسك به مع كونه قد يحرًّف.
2- الروايات الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام)، وهي تأمر بعرض الأخبار على القرآن الكريم، من قبيل ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) : "يكثر لكم الأحاديث بعدي، فإذا رُوي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالف فردوه". فلا يصح جعل الكتاب الميزان لمعرفة الأخبار الصادقة من الكاذبة في كل الأزمان مع كونه قد يُحرَّف"
روايات التحريف في كتب المسلمين
رغم أن الأدلة القطعية قامت على أن القرآن لا يُمكن أن يُحرَّف، فقد وُجدت روايات في كتب المسلمين سنّة وشيعة ظاهرها أن القرآن قد نقص عما كان عليه، فهو محرف بالنقيصة.
ولم يعتن علماء المذهبين بهذه الروايات فأوَّلوا ما يمكن تأويله منها وطرحوا منها ما لم يستطيعوا تأويله، نعم خرج كل من علماء السنة والشيعة بعض الأشخاص الذين شذّوا بطريقتهم ن الاتجاه المتسالم عليه عند جلَّ المسلمين وهو اتجاه تنزيه القرآن الكريم من التحريف، فقال هؤلاء بأن القرآن محرَّف بالنقيصة، فقد خرج من بين علماء أهل السنة ابن الخطيب محمد محمد عبد اللطيف وهو من علماء مصر المعروفين وألف كتابا ً في تحريف القرآن سمَّاه "الفرقان" وذلك سنة 1948م، وقد حشاه بالروايات الدالة على تحريف القرآن الكريم نقلها عن المصادر المعروفة عند أهل السنة وخرج من بين علماء الشيعة المحِّدث النوري وألف كتابا ً سماع "فصل الخطاب" يشابه كتاب ابن الخطيب.
وهبَّ علماء الأزهر واتخذوا موقفا ً حازما ً من كتاب الفرقان، كما هبًّ علماء الشيعة بحزم شديد ضد كتاب "فصل الخطاب" ومؤلفه ( راجع كتابنا: حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة من ص 133 إلى 136).
فقد تأثر هذان العالمان بالروايات الموجودة في كتب المذهبين مع أن كثير منها قابل للحمل على محمل آخر كما سنلاحظ ذلك ولأجل توضيح هذا سنعرض جملة من روايات التحريف عند السنة ثم نلحقها بجملة من روايات التحريف عند الشيعة.
روايات التحريف عند أهل السنة
ورد في كتاب أهل السنة روايات عديدة تفيد وجود مصاحف لبعض زوجات النبي(صلى الله عليه وآله) وبعض الصحابة فيها زيادات عن القرآن الموجود بين أيدينا ممن أوهم البعض أن القرآن قد حُرِّفَ بالنقيصة. ومن تلك المصاحف:
مصحف عائشة: فقد نقل السجستاني في كتابه "المصاحف" عن ابن أبي حميد قال: أخبرتني حميدة: " أوصت لنا عائشة بمتاعها، فكان في مصحفها ( إن الله وملائكته يُصلُّون على النبي والذين يصلون في الصفوف الأولى) وقالت: "قبل أن يغِّير عثمان المصاحف" كما ورد أنّ في مصحف عائشة قد كُتب " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى" وقد ذكرت كل من هذه الروايات في كل من مصحف حفصة ومصحف أم سلمة. ( راجع كتابنا: حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة من ص117 إلى 120).
مصحف أبي بن كعب: والأغرب مما مرّ ما ورد في أن مصحف أبي بن كعب كان فيه سورتان ليسنا الآن موجودتين في قرأننا، وقد ذكر السيوطي هاتين السورتين وهما:
1- (بسم الله الرحمن الرحيم أللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك)
2- (اللهم إياك نعبد، ولك نصلّي، وإليك نسجد ونحفد نرجو رحمتك ونخشى نقمتك إن عذابك بالكافرين ملحق).
3- وإضافة إلى المصاحف المحرَّفة من روايات أهل السنة فإن جملة من الروايات المفيدة لنقصان القرآن من بعض الألفاظ التي كانت موجودة فيه ومن تلك الروايات:
آية الرجم: قد كان عمر بن الخطاب- كما في هذه الروايات- يصرّ على وجود آية الرجم في القرآن هي:" الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وكان عمر يقول: " لولا أن يقول الناس إن عمر زاد في كتاب الله، لكتبت آية الرجم بيدي" (راجع كتابنا: حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة ص125)
آية ولاية علي: فقد ذكر السيوطي في الدر المنثور عن ابن سعود قوله:"كنا نقرأ على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) " يا أيها الرسول بلِّغ ما انزل إليك من ربك أن عليا ً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته، والله يعصمك من الناس".
"القرآن: 1027000 حرف" فقد روى الطيراني بإسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال: "القرآن ألفّ ألفّ حرف وسبعة وعشرون ألفّ حرف فمن قرأه صابرا ً محتسبا ً كان له بكل حرف زوجة من الحور العين".
الجواب على هذه الروايات
نذكر في مقام الدفاع عن تنزيه القرآن الكريم من التحريف والرد على مثل هذه الروايات جوابين:
الأول وهو جواب عام محصّله أنه بعد ثبوت عصمة القرآن وعدم إمكان تحريفه زيادة ولا نقيصة فإنا لا نعبأ بهذه الروايات ولو كان سندها صحيحاً.
الثاني يتعلق بكل رواية بمفردها
فنحمل البعض منها على إرادة بيان بمن نزلت كالرواية الواردة عن ابن مسعود (بلِّغ ما انزل إليك من ربك أن عليا ً مولى المؤمنين) لا أنه يراد كون هذه الألفاظ جزءا ً من القرآن الكريم وقد حذفت.
ونحمل بعض منها على إرادة الدعاء كالرواية الواردة حول مصحف أبي بن كعب، فلعل المقطعين السابقين لا يراد أنهما سورتان بل كان أُبيّ قد كتبهما في مصحفها كدعاء يدعى به الله تعالى، فاختلط الأمر على بعض الناس.
أما الروايات التي لا تتحمل معنى يتلاءم مع عصمة القرآن من التحريف فإننا نرفضها كما ذكرنا.
روايات التحريف في كتاب الشيعة
ورد في كتب الشيعة بعض الروايات التي يمكن حملها على التنزيل ونحنه كتلك الرواية عن ابن مسعود فقد ورد من طرق الشيعة أيضا ً كما ورد من طرق النة أن آية التبليغ كانت تقرأ هكذا: " يا أيها الرسول بلِّغ ما انزل إليك في علي" ونحن نحمل هذه الرواية على أن المراد منها أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب لا أن اسم "علي" كان في القرآن وحُذف.
ومما يدل على هذا ما ورد في صحيحة أبي بصير: سألت يا أبا عبد الله عن قول الله تعالى:" وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" قال(عليه السلام): نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين، فقلت له: إن الناس يقولون: فما له لم يسمِّ عليا ً وأهل بيته في كتاب الله، قال(عليه السلام): فقولوا لهم: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) نزلت عليه الصلاة ولم يسمِّ الله لهم ثلاثا ً ولا أربعا ً، حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي فسَّر لهم ذلك
ما ورد في كتب الشيعة
أن الإمام الحسين(عليه السلام) قال يوم عاشوراء: " إنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذَّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ونفثة الشيطان، وعصبة الأثام، ومحرفي الكتب".
ولكم من الواضح أن هذه الرواية تحمل على التحريف المعنوي لا التحريف اللفظي وقد ذكرنا في بداية هذه المحاضرة أن التحريف المعنوي قد وقع في القرآن الكريم.
مصحف علي(عليه السلام)
قد يتوهم البعض أن جملة الروايات الدالة على التحريف عند الشيعة هو تلك الروايات التي تتحدث عن مصحف الإمام علي(عليه السلام) ومن هذه الروايات ما ورد من قول الإمام علي(عليه السلام):" ما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأني إياها وأملاها عليّ، فكتبتها بخطي، وعلَّمني تفسيرها وتأويلها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ودعا الله عزَّ وجلَّ أن يعلِّمني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله عزّ وجلّ ولا علما ً أملا عليّ فكتبته".
فيه حرف، فقالوا: لا حاجة لنا فيه عندنا مثل الذي عندك" فرجع بعد أن ألزمهم الحجَّة.
إن القارىء لهذه الروايات قد يتوهم أن القرآن الذي بين أيدينا هو ناقص وأن القرآن الكامل هو ذلك الذي كان مع علي(عليه السلام).
دفع الشبهة
لكن المدقق في هذه الروايات يعلم أن مصحف الإمام علي(عليه السلام) هو نفس هذا المصحف الذي بين أيدينا، إلا أن الإمام(عليه السلام) قد رتَّبه حسب النزول فقدَّم الآيات المكية على المدنية والمنسوخ على الناسخ وهكذا.
كما أن أمير المؤمنين قد أضاف في هامشه تفسيراً لآياته وتبيانا ً لمورد نزولها، فهو على حسب مصطلح اليوم- تفسير للقرآن الذي كتبه بحسب نزوله وأين هذا من القول بتحريف القرآن والنتيجة أنه لا توجد نصوص ثابتة تقاوم عصمة القرآن من التحريف زيادة ولا نقيصة.