القداسة والمقدّس
{يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم}
من صفات الله تعالى أنه كمال مطلق، فكل ما فيه هو كمال، فلا يوجد فيه نقص ولا عيب ولا حاجة فهو قدّوس، أي منزَّه من كل نقص وحاجة
ومن الصفات الكمالية لله هو حبُّ الكمال، ومن أحبّ الكمال أحب أن يظهره لذا خلق الخلق لكي يظهر الكمال في عالم الوجود
وهذا ما يفسِّر الحديث القدسي عن الله تعالى: ;كنتُ كنزاً مخفياً، فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلقَ لكي أُعرف;.
ومن بين خلق الله تعالى أراد أن يتحقق الكمال الاختياري لتنعكس فيه تلك القداسة، فعرض هذا الكمال بالاختيار على الكائنات المخلوقة فأبى بعضها ذلك متخوّفاً مشفقاً إلا نوعاً من كائناته قَبِلَ أمانة الاختيار والسير بالإرادة في طريق الكمال
وهذا ما نقرأه في كتاب الله تعالى بقوله عزّ وجلّ: {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}
لأن الإنسان اختار أمانة المسير الكمالي الاختياري رفع الله تعالى من شأنه على جميع الكائنات حينما لا ينحرف في ذلك المسير، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ;إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوةّ بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقلُهُ شهوَتَهُ فهو خيرٌ من الملائكة، ومن غلب شهوتُهُ عقلَهُ فهو شرٌّ من البهائم; .
قداسة الأصفياء وبركتهم
لقد رفع الله تعالى شأن هذا الإنسان الذي خرج من دائرة الظلوم الجهول إلى رحاب الاعتدال والعلم فأعطاه من صفة القداسة بما يناسب عالم الإمكان.
وبما أن القداسة هي التنزيه من العيوب والنقائص فهي منبع النور والبركة والخير.
وهذا ما أوضحه الكتاب العزيز في أنبياء الله الذين هم في رأس هرم الإنسانسية فقال تعالى وهو يتحدّث عن السيد المسيح (عليه السلام): {وجَعَلَني مُبَارَكاً أينما كنتُ}.
كان من بركته أن لمسة يده تشفي المريض وتحيي الميت
وهكذا كانت بركة الأولياء، فالخضر (عليه السلام) سُمّي خضراً لأنّه كان مباركاً حيث كان يخضرّ كلُّ ما جلس عليه بتلك البركة.
وهكذا كانت بركة الأوصياء فها هو خادم الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام) يقول عنه:
;إذا نام سيدي أبو محمد رأيتُ نوراً ساطعاً من رأسه إلى السماء;
وتجلّت تلك القداسة، وهذه البركة بأعلى مرتبة في سيد بني البشر خاتم النبيين وأعزّ المرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) فكانت قداسته وبركته الإنسانية مضموناً وشكلاً.
- ففي المضمون: رفع الله تعالى عذاب الأمم السابقة ببركة وجوده
فقد عصى قومُ نوح نبيَّهم فأهلكهم الله بالطوفان
وقد عصى قوم هود نبيَّهم فأبادهم الله بريحٍ صرصر
وقد عصى قوم صالح نبيَّهم فأماتهم الله بالصَّيْحَة
وقد عصى قوم لوط نبيَّهم فقلب الله عليهم المدينة
أما بعد محمد محلّ تجلّي القداسة، فلم تنته المعاصي، لكنّ سنَّة العقاب الدنيوي هذه توقّفت ببركة قداسة محمد (صلى الله عليه وآله)
- وفي الشكل: قدَّس الله اسم محمد (ص)
+ جزءاً من أذان الصلاة وإقامتها
+ وفي الحبر المتشكِّل منه فلا يمسّ احتياطاً دون طهارة
+ وفي المسمّى به من الأبناء إذ كما قال صاحب الاسم المقدَّس:
;بورك بيت فيه محمد، ومجلس فيه محمد، ورفقة فيها محمد;
وكما عن أهل بيته (عليهم السلام): ;البيت الذي فيه اسم محمد يصبح أهله بخير ويمسون بخير;
وفي يوم القيامة حيث تخفُّ موازينُ مذنبٍ محبٍّ لمحمدٍ فتأتي الصلاة على محمد وآل محمد لتثقل ميزانه، وتسرع به إلى جنان الله تعالى.
قداسة القرآن وبركته
وبين قداسة الله تعالى وتجلّيها في عبده محمد (ص) قدَّس الله تعالى وبارك كتابَهُ المنزل على محمد(ص) رسالةً لكمال الإنسانية
ففي المسّ: لا يمسّه إلاّ المطهّرون
وفي النظر إليه: يوجب غفران الذنوب للوالدين ولو كانا كافرين
وفي القراءة فيه: علوّ المقام يوم القيامة فـ ;كلما قرأ آية رقي درجة;
وفي حفظه نعمة: فإن من ظنّ أن هناك نعمة أفضل منها فقد غمط أفضل النعمة
وفي الاستفادة منه: فيه شفاء من كل داء
قداسة المسجد وبركته
وبين قداسة الله تعالى وتجلّيها في خيرة خلقه قدّس الله تعالى المكان المنتسب إليه فكانت قداسة وبركة المسجد
- فلا يدخله إلا الطاهرون
- والمسير إليه جالب للحسنات ودافع للسيئات
بل ;من مشى إلى المسجد لم يضع رجلاً على رطب ولا يابس إلاّ سبّحت له الأرض إلى الأرضين السابعة;
- والجلوس فيه مصدر البركة الربانية، فعن النبي (ص) لأبي ذرّ: ;يا أبا ذر إن الله يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس فيه درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، ويكتب لك بكل نفس تنفسته فيه عشر حسنات، ويمحى عنك عشر سيئات; .
- والصلاة في الجامع من المساجد بمئة صلاة
- وحينما تنضمّ قداسة المسجد إلى قداسة الأنبياء ليكون المسجد مع النبي الأول ومنطلق دعوة خاتم الأنبياء (ص) وإسرائه، وقيام خاتم الأوصياء (عج) وإعلانه، فإنّ الصلاة في المسجد الحرام تصبح بهذه البركة بمئة ألف صلاة، وحينما ينضم إلى بركة المسجد بركة الجسد الشريف لخاتم الأنبياء (ص) في المسجد النبوي, فإن الصلاة فيه تصبح بعشرة آلاف صلاة.
وحينما يكون المسجد غاية إسراء خاتم النبيين، ومصلاه إماماً في الأنبياء ومنطلقاً لعروجه في قداسته تمتد البركة إلى محيطه فـ {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}
تعظيم المقدّس المبارك
إن هذه القداسة والبركة النابعة من السير الاختياري نحو الله والنسبة الخاصة إليه تعالى جعلت المقدَّس المبارك في ظهوره النوراني من شعائر الله التي أراد الله للمسلمين أن يُعظّموها {وذلك من يعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}
من هنا تأدّب المسلمون:
- أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي(ص) {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}(الحجرات: الآية 2)
- وأن يتوسلوا به في استغفارهم ربَّهم
- وأن يتباركوا بمرقده الشريف
- وأن لا يلمسوا اسمه المبارك دون طهارة
- وأن يصلوا عليه كلما ذكر اسمه المقدّس (ص)
ومن هنا تأدّب المسلمون:
- أن يقبِّلوا المصحف حين لمسه
- وأن لا يلمسوه دون طهارة
- وأن لا يتلوه على حدث
- وأن يحترموا صفحاته صحفة صفحة فيبعدوا عنها النار والقذارة
- وأن يهيؤا له موضعاً ملائماً لركونه
ومن هنا تأدب المسلمون
- أن لا يدخلوا المسجد على جنابه
- وأن يخلعوا أحذيتهم قبل الدخول
- وأن يحيوه بصلاة التحية
- وأن يتزيّنوا لدخوله ويتأنّقوا للصلاة فيه
الصهاينة والمقدّس
مقابل القداسة والبركة التي يؤمن بها المسلمون أسقط اليهود الصهاينة القداسة أولاً من الله تعالى, ;فالله عندهم يلعب في ثلث النهار مع الحوت ملك الأسماء;
والله عندهم ;حينما يواجه معضلة لا يمكن أن يحلّها في السماء .. فإنه يستشير الحاخامات في الأرض..; .
وأسقطوا القداسة عن التوراة المنزّلة من الله على نبيّهم فحرّفوها كما اعتبروا الإنجيل كتاباً مملوءاً بالإثم
وأسقطوا القداسة من الأنبياء فقتلوهم وشوّهوا تاريخهم
واعتبروا المسيح -والعياذ بالله- غشاش بني إسرائيل وهو موجود في الجحيم بين الزفت والقطران والنار
واعتبروا كنائس المسيحيين قاذورات
لقد اعتبر اليهود الصهاينة تاريخياً أن من وظائفهم الأساسية هو إسقاط مقدسات الآخرين، واعتمدوا لذلك أساليب نقرأها في تلك الرسالة التي أجاب فيها حاخام القسطنطينية الأكبر على سؤال حاخام اسبانيا حينما تعرّض اليهود فيها للطرد والاضطهاد ففي تلك الرسالة:
;يا أبناء موسى الأعزّاء، لقد تسلّمنا خطابكم. إنّ نصيحة الحاخامات والأحياء هي ما يلي:
1- فيما يتعلق بما تقولونه من أن ملك اسبانيا يضطركم إلى اعتناق المسيحية، افعلوا ذلك ما دمتم لا تستطيعون أن تفعاوا شيئاً آخر.
2- فيما يتعلق بتجريدكم من أملاككم، اجعلوا أولادكم تجاراً حتى يجرِّدوا المسيحيين أملاكهم شيئاً فشيئاً.
3- فيما يتعلق بمحاولات قتلكم، اجعلوا أولادكم أطباء وصيادلة لعلهم يقتلون المسيحيين
4- فيما يتعلق بهدم معابدكم، اجعلوا أبناءكم كهنة واكليريكيين لعلهم يهدمون كنائسهم
5- فيما يتعلق بالمضايقات الكثيرة الأخرى التي تشكون منها، رتبوا أموركم بحيث يصبح أبناؤكم محامين، واعملوا على أن يتصلوا بشؤون الدولة ويتولَّوا مناصبها دائماً. وبوصفكم المسيحيين تحت حكمهم قد تحكمون العالم وتنتقمون منهم.
ولا تنحرفوا عن هذا النظام الذي نعطيه لكم، لأنكم ستجدون بالتجربة أنكم على الرغم مما أنتم عليه من مهانة فتصلوا إلى القوة الحقيقية; .
لقد كان ذلك منشأ لظهور نوع آخر من الصهاينة هم الصهاينة المسيحيون
وبالتالي لتكون وظيفة إسقاط المقدّس من وظيفة الصهاينة اليهود المسيحيون
ومن الطبيعي أن يعمل اليهود على إنشاء صهاينة مسلمين، لكنهم غير معلنين.
وهذا ما رأينا مجرياته في عصرنا
- فيلم هوليودي يشوّه صورة السيد المسيح وأمّه العذراء.
- سلمان رشدي يكتب قصة تشوّه صورة رسول الله محمد (ص), وتأتي ملكة بريطانيا لتكرِّمه على إنجازاته.
- رسامون كاريكاتير يشوّهون من رسم خاتم الأنبياء (ص) وتأتي المستشارة الألمانية ;ميركل; لتكرِّم عمدتهم.
- قوانين أوروبية تمنع مآذن المساجد في اسبانيا.
- قوانين اوروبية تتعلق بمنع الحجاب على القاعدة التي سنّها رئيس وزراء بريطاني أسبق ;لن نستطيع أن نسيطر على المسلمين إلا بعد أن تخلع المسلمة حجابها ونغطي به القرآن;.
- محاولات عديدة لتشويه وتدنيس القرآن الكريم مضموناً وشكلاً سواء بحمله على شاشات التلفزة الأمريكية والإعلان أنه كتاب الإرهاب، أو بتمزيقه في مسيرات عامة أمام الكاميرات أو بحملة ذلك القس المعتوه لإحراق المصحف في سياق موجَّه من قبل الحكومة الأمريكية المنافقة، وعمل دؤوب من الصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة فضلاً عن اليهود
وقبل أيام أعلن الصليبي الصهيوني جورج بوش الابن أن الحرب الصليبية قد استكملت بدخول الكنيسة على الساحة
الإمام الخامنئي: التحليل والموقف
في مقابل هذا المسار الصهيوني انبرى سماحة ولي أمر المسلمين (دام ظلّه) محلِّلاً ما يجري ومحدِّداً الموقف الولائي فيه.
أما في تحليل ذلك فيرى القائد
1;- إن خطوة الإساءة إلى القرآن الكريم ليست بداية المسيرة بل هي مرحلة من مسيرة ممتدة للصراع ضد الإسلام بقيادة الصهيونية والنظام الأمريكي.
2;- إن الحادثة الأخيرة المسيئة للقرآن الكريم لا علاقة لها بالكنيسة المسيحية.
3;- إن النظام الأمريكي لا يستطيع من خلال حديثه المخادع أن يبرّئ نفسه من مسيرة هذه الظاهرية القبيحة.
4- إنّ هذه الحادثة والحوادث السابقة تكشف بوضوح أن المستهدف اليوم من قبل النظام الاستكباري العالي هو أصل الإسلام العزيز والقرآن المجيد. أما الموقف فقد أعلن الإمام الخامنئي (دام ظلّه):
1;- يجب أن يقف كل أحرار العالم والأديان الإبراهيمية إلى جانب المسلمين ليواجهوا هذه السياسة المعادية للإسلام بهذه الأساليب المخزية.
2;- يجب أن لا نحمّل المسيحيين ورجال الدين ما يقوم به بعض القساوسة الحمقى والعملاء ..
3;- إننا -نحن المسلمين- لن نقوم مطلقاً بعل مشابه بالنسبة لمقدّسات الأديان الأخرى، فالقرآن يوجهنا إلى الموقف المعاكس.
4;- على الحكومة الأمريكية إن كانت صادقة أن تعاقب كل الذين آلموا قلوب مليار ونصف المليار من المسلمين.
وأخيراً قال القائد:; إن ما حصل ناشئ من حقيقة أن الإسلام منذ عقود وحتى اليوم قد أخذ يشعّ أكثر من ذي قبل، وإن الإهانة إلى القرآن الكريم والرسول العظيم (ص) تحمل في طياتها بأن شمس القرآن المشعة تعلو وتسطع أكثر يوماًَ بعد يوم;.