الحسين النور الخامس

image

الحسين (ع) النور الخامس

الحسين(ع)النور الخامس‏

سِرُّ الملتقى بين محمّد(ص) والآل (عليهم السلام)

الأوّل من محرَّم...

توقيتٌ يندمج فيه إحياءان لحادثتين عظيمتين من تاريخ الإسلام.

الأولى: هجرة سيّد الأنبياء محمّد(ص) .

الثانية: هجرة سيّد الشهداء الحسين(ع).

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسين (ع) النور الخامس
الحسين(ع)النور الخامس‏
سِرُّ الملتقى بين محمّد(ص) والآل (عليهم السلام)
الأوّل من محرَّم...
توقيتٌ يندمج فيه إحياءان لحادثتين عظيمتين من تاريخ الإسلام.
الأولى: هجرة سيّد الأنبياء محمّد(ص) .
الثانية: هجرة سيّد الشهداء الحسين(ع).
فالمكان واحد، وهو أقدس بقاع الأرض مكّة، فالنبيّ(ص) هاجر منها، ومنها هاجر الحسين(ع).
والسبب واحد، وهو محاولة اغتيال بطل الهِجرة، فقد تمّ التآمرُ على النبيّ ليُغتال في مكّة فهاجر منها،

وكذلك على الحسين(ع) ليُغتال في مكّة ولو كان متسدّلاً بأستار الكعبة، فهاجر منها.
والغاية واحدة، وهي البحث عن الأنصار لنصرة الإسلام.
الملتَقَى بين محمّد(ص) والحسين(ع)
وبين شخصيَّتَيْ الهجرة جامع مقدَّس، ألا وهو الكِساء، فمحمّد(ص) هو أوّل أصحاب الكِساء،

والحسين(ع) من أصحاب الكِساء ، فكان الكساء هوالملتَقَى بين محمّد والحسين (ع)، لكنّه لم يكن

بداية الملتقى، بل كان الملتقى قبلَ قبلِ الكساء، بل قبلَ قبلِ الكون...
الملتقَى الأوّل: عالَم الأنوار
كان اللّقاء الأوّل في عالم الأنوار حيث خلق الله من نور عظمته محمّداً وعليّاً وفاطمة والحسن

والحسين(عليهم السلام) فكانوا في سُرادق العرش يسبّحون الله وتسبِّج الملائكة بتسبيحهم، قبل أن

يخلق الله عزَّ وجلَّ، آدم .
واستمرَّ الملتقى:
... مع آدم(ع)
فحينما أراد الله تعالى أن يخلق آدم قال لملائكته: }إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً{ ، فسألته الملائكة:

}أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ{ ، وكان منطلق كلام

الملائكة أنّهم نظروا إلى الصفحة السوداء من مستقبل البشريّة حيث الفساد وسفك الدماء، لكنَّ الله

تعالى كان ينظر إلى أنوار تتلألأ في هذا الظلام هي سرُّالخلق، وخلفيَّة جواب الله لملائكته: }إِنِّي أَعْلَمُ

مَا لاَ تَعْلَمُونَ{ . وأراد الله تعالى أن يعرِّفهم قُصورَ معرفتهم وضيقَ نظرتهم حين }عَلَّمَ آدَمَ{ أسماء

تلك الأنوار، وقال لملائكته: }أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء{ ... حينها التفتت الملائكة إلى عجزها وأعلنت

خضوعها للحقّ قائلة: }سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{ . ورفع الله من

مقام آدم بأسماء تلك الأنوار حينما قال له: }قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ{ ، فإذا بآدم يتلو بلسانه

أسماء حجج الله فابتدأ بمحمّد (ص) واستمرّ مع الحسين(ع)، فكان الملتقى بين محمّد(ص) والحسين

(ع)مع آدم (ع)في السماء.
وهبط آدم(ع) من جنّة الله إلى الأرض بعدما ألمَّ به، فأراد أن يتوب إلى الله، فتلقّى من ربّه كلمات..

إنها أسماء تلك الأنوار رآها آدم على ساق العرش، فلقَّنه جبرئيل(ع): «قل: يا حميدُ بحقّ محمّد، يا

عالي بحقّ عليّ، يا فاطرُ بحقّ فاطمة، يا محسنُ بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان» .
... مع نبيّ الله نوح(ع)
واستمرَّ الملتقى بين محمّد(ص) والحسين(ع) مع نبيّ الله نوح(ع) حينما أراد أن يبنيَ سفينة البشريّة

الباقية التي تتحدّى الطوفان الأعظم، فأنزل جبرئيل(ع) إليه مساميرَ مباركة بها ثبتت السفينة، فضرب

نوح بيده إلى مسمار فأشرق بيده، وأضاء كما يضي‏ء الكوكب الدرِّيُّ في أفق السماء فتحيَّر نوح،

فأنطق الله المسمار بلسان طَلْقٍ ذَلِق: أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد الله(ص)... ثمّ ضرب

بيده إلى مسمار خامس، فزهر وأنار وأظهر النداوة، فقال جبرئيل: «هذا مسمار الحسين(ع)» ...

فكان الملتقى في سفينة نوح بين محمّد (ص) والحسين(ع).
واستمرّ الملتقى...
... مع خليل الله إبراهيم(ع):
بل في قلب خليل الله إبراهيم(ع)اجتمع حبُّمحمّد(ص) وحبُّ الحسين(ع) حينما سأله الله تعالى: يا

إبراهيم، من أحبُّ خلقي إليك؟ فقال: يا ربُّ ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إليَّ من حبيبك محمّد(ص)،

فسأله تعالى: فولده أحبُّ إليك أو ولدك؟ قال: بل ولده. فقال تعالى: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم

أنّها من أُمَّة محمّد ستقتل الحسين(ع) ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يُذبح الكَبْش، ويستوجبون

بذلك سَخَطي، فجَزِعَ إبراهيم لذلك، وتوجَّع قلبه، وأقبل يبكي .
واستمرَّ الملتقى بين محمّد(ص) والحسين(ع).
... مع كليم الله موسى(ع)
فحينما أصابَ العطشُ قومَ كليم موسى(ع) وهُم في التيه، ضجّوا إليه بالبكاء فـ (استسقى موسى

لقومه) داعياً ربَّه: «إلهي بحقّ محمّد سيّد الأنبياء، وبحقّ عليّ سيّد الأوصياء، وبحقّ فاطمة سيّدة

النساء، وبحقّ الحسن سيّد الأولياء، وبحقّ الحسين أفضل الشهداء...» فكان الملتقى بين محمّد(ص)

والحسين(ع) على لسان كليم الله في دعائه.
واستمرّ الملتقى بين محمّد(ص) والحسين(ع).

... مع روح الله عيسى(ع)
حينما مرَّ مع حواريّيه في كربلاء فحُدِّث عن الحسين(ع) سبط محمّد(ص) ... ويستمرُّ الملتقى بين

محمّد(ص) والحسين(ع).
... في يوم القيامة
وفي أعلى منبر من منابر الأولياء، هناك يقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرَم اليوم؟ فيأتي

الجواب من محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين: لله الواحد، فيقول الله تعالى: يا أهل الجمع، إنّي

جعلت الكرَمَ لمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين.
الملتقى في التشريع الإلهي‏
ولم يقتصر الملتقى بين محمّد(ص) وآله(عليهم السلام) ومنهم الحسين(ع) في عالم التكوين، بل تأكّد

في تشريع الله تعالى حين رفض نبيُّ الإسلام أن يُصَلَّى عليه بمفرده فقال:«من صلَّى عليَّ، ولم يصلِّ

على آلي رُدَّت عليه» . بل أصرَّ النبي(ص) في ما ورد عنه أن لا يُفصَل بينه وبين آله في الصلاة بـ «

على» فقال: «لا تُفرِّقوا بيني وبين آلي بعلى» وفرض الله هذه الصلاة في الصلاة فأنشد الشافعي

قائلاً:

يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حبُّكُمُ‏
فرضٌ من الله في القرآن أنزلَهُ‏
يكفيكُمُ من عظيمِ الفخرِ أنَّكُمُ‏
من لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ له
وقد بيَّن خاتم الأنبياء(ص) ثواب من عبَّر عن الملتقى بين محمّد والآل ببشارةٍ وَرَدَ أنّه بشَّر بها أميرَ

المؤمنين عليّاً(ع)مع وعيد للمفرِّق بينهم قائلاً له: «... الرجل من أُمَّتي إذا صلَّى عليَّ وأتبع بالصلاة

على أهل بيتي فُتحت له أبوابُ السماء، وصلَّت عليه الملائكة سبعين صلاةً وأنه لمذنب خطى، ثمّ

تَحاتُّ عنه الذنوب كما يتحاتُّ الورق عن الشجر، ويقول الله تعالى: لبّيك عبدي وسعديك، يا

ملائكتي، أنتم تصلُّون عليه سبعين صلاة، وأنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة، وإذا لم يُتبع بالصلاة على

أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجاباً، ويقول الله(جلَّ جلاله): لا لبَّيك ولا سعديك، يا

ملائكتي لا تُصَعِّدوا دعاءه إلاَّ أن يُلْحِقَ بالنبيِّ وعِترته، فلا يزال محجوباً حتّى يُلحقَ فيَّ أهل بيتي» .
تساؤل عن المقام الأمجد والمتلقى المؤكَّد
لماذا كان النبيّ الأكرم(ص) في حقيقته الروحيّة أوّل الأنوار؟!!
ما سرُّ أنّ علياً (ع) وفاطمة (ع) والحسن(ع) والحسين(ع)هم الأنوار التالية للنور المحمّد ي؟!!
كيف نفسِّر كون علوِّ آدم بحمل أسمائهم، وتوبته بالدعاء بهم؟!!
ما هو سبب مرافقتهم (عليهم السلام) لنوح(ع) بمسامير تحمل أسماءَهم، ولإبراهيم (ع) في حبِّه لهم،

ولموسى(ع) في الدعاء بهم، ولعيسى (ع) في سماع قصّتهم؟!!
بماذا امتازوا مِن غيرهم في منابر النور يوم القيامة؟
أسئلة نجيب عنها، أوّلاً ببيان جانب من سرِّ المقام المحمود لخاتم الأنبياء محمّد(ص)، ونعقِّبه ببيان

طَرَفٍ من سرِّ الملتقى بين الحبيب المصطفى وآله الذين اصطفى.
سرُّ مقام النبيّ محمّد(ص)
سرُّ مقام خاتم الأنبياء(ص) يُعرف من سرِّ خلق الإنسان الذي كشف عنه القرآن الكريم بقوله تعالى:

}وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ . فسرُّ الخلق وغايته هُما العبادة لله تعالى التي تشمل كلَّ

شؤون الإنسان في هذه الحياة. فالعاقل يبدأ بالتساؤل: كيف يعبدُ الإنسان ربَّه؟ ويجرُّه تساؤله هذا إلى

تساؤل آخر: ما هي الطريق التي بسلوكها تتحقَّق العبادة؟ هل يستطيع الإنسان بمفرده أن يتعرّف على

هذه الطريق؟ والجواب: كلّا وكلّا!!.
فالإنسان قاصر عن إدراك الطريق التي يضمن أن توصله إلى الغاية المنشودة والتي فيها مصلحته المرادة

في الدنيا والآخرة.
إذاً ما العمل؟!!
لا بدَّ من أن يعرِّفنا الله تعالى على طريق السعادة هذه بوساطة مرشدٍ إليها. وهناك ندرك ضرورة الرسالة

والرسول، وننظر في تاريخ الإنسانيّة فنجد رسالات إلهيّة عديدة قد أقرَّها القرآن الكريم.
لماذا هذا التعدُّد؟ ألا يكفي للبشريّة رسالة واحدة ينزلها الله مع النبيّ، ويعمل بها الناس إلى آخر

إنسان؟!!
كلّا!! إنّ المجتمع لم يكن منذ نشوئه، بل حتى بعد مراحل من تكوُّنه، مهيَّأً لرسالة واحدة خالدة، كان

لا بدَّ في المجتمع الأوّل من رسالة تتلاءم معه، وحينما يتطوَّر ذلك المجتمع، تُرسَل الرسالة الأكمل

لتلائمه، وتمهِّد الرسائل بعضها لبعض، وتكون جميع هذه الرسائل ممهِّدة للرسالة الخالدة التي تواكب

الإنسان إلى يوم القيامة، وفي هذه الرسالة الكاملة الخالدة يكمن سرُّ الخلق.
فهذه الرسالة هي التي ترسم أرقى معالم الصِّراط الإلهيِّ السويِّ الذي يوصل الإنسان إلى سعادته

الحقيقيّة.
وكانت رسالة الإسلام المحمّديّة هي تلك الرسالة الخالدة التي مهَّدت لها الرسالات السابقة.
وحامل هذه الرسالة هو الذي يحقّق الغاية الإلهيّة لخلق الإنس والجنِّ، ومن حمل الرسالات السابقة كانوا

يمهِّدون له ولرسالته. ومن تكون هذه وظيفته وهذا دوره لا بدّ أن يكون أكمل بشريّ على الإطلاق،

من هنا كان الرسول محمّد(ص) يقول: «أنا سيّد بني البشر».
وهذا ما يُفهمنا مقام النبيّ(ص) من عالم الأنوار إلى يوم القيامة. لكن يبقى السؤال عن:
سرِّ الملتقى بين محمّد وآله‏
فلماذا اقترنت أسماء عليّ(ع) وفاطمة(ع) والحسن(ع) والحسين(ع) باسم محمّد(ص) على طول

الطريق من أوّل الخلق إلى مستقبل البشريّة المقبل؟
وفي رسالة الإسلام يكمن الجواب.
فالإسلام - بلا شكّ ولا ريب - هو دين كامل قد أخبر الله عن كماله بقوله: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ

دِينَكُمْ{ .
لكن نتساءل: بماذا أكمل الدين وتمَّت الشريعة؟
هل القرآن وحده هوالذي أكمل الدين؟
إنَّ المطَّلِعَ على القرآن الكريم يعلم أنّه تحدَّث عن عمومات في الشريعة وعن جملة من تفاصيلها، لكنّه

لم يذكر كثيراً من التفاصيل كعدد ركعات الصلوات وغير ذلك.
إذاً لا بد من عنصر آخر غيرالقرآن لينضمّ إلى القرآن في عمليّة إكمال الدين، وهنا يأتي دور السُّنَّة

النبويّة الشريفة التي قامت بدور بيان تفاصيل الشريعة الإسلاميّة.
إلاّ أنّ إلقاء نظرة فاحصة على مرحلة تبليغ هذه السّنَّة الشريفة يوقفنا أمام أمر مهمٍّ جدّاً، فمرحلة

تبليغ السنّة النبويّة دامت ثلاثاً وعشرين سنة قضى منهاالنبيُّ الأعظم(ص) ثلاثَ عشرةَ سنةً في مكّة

وعشرَ سنوات في المدينة المنوّرة.
أمّا في السنوات المكّيَّة الثلاثَ عشرة فلم يؤمن بالنبيّ(ص) إلاّعدد قليل لم يتجاوز عددهم أربعمائة

مسلم على الأكثر .
وكان أغلبهم من المستضعفين المضطهدين ممَّا أدّى إلى هجرة الكثير منهم (70 عائلة) إلى الحبشة

مرّتين، وبالتالي انفصالهم المباشر عن تلقّي الدعوة الإسلاميّة من النبيّ محمّد(ص).
وفي هذه السنوات المكّيَّة كان المشركون يضيِّقون على النبيّ (ص) والمسلمين الباقين معه تضييقاً

شديداً، ويمنعونه من تبليغ دعوته للآخرين حتى وصل الأمر بهم إلى محاصرته مع جملة من الهاشميّين في

شِعْبِ أبي طالب ثلاث سنوات حيث كانت المجاعة الشديدة...
إنّ الناظر في هذا المرحلة المكّيَّة يُدرك بوضوح أنّ الفرصة لم تسنح للنبيّ(ص) إلاّ تبليغ أساسيّات

الاعتقادات والبعض القليل من جوانب الشريعة كما يُلاحظ القارى‏ء للآيات القرآنيّة النازلة في مكّة.
وممّا يؤكّد هذا الواقع أنّ فريضة الصوم، وهي من أوائل فروع الدين، لم تنزل في مكّة بل في المدينة.
وانتهت هذه السنوات المكّيَّة بهجرة النبيّ(ص) إلى يثرب ليقضي فيها عشر سنوات كانت مليئة

بالحروب والغزوات وما شابه، إضافة إلى الخلافات التي حصلت بين القبائل من داخل المجتمع

الإسلاميّ الجديد. وقد سجّل التاريخ في الفترة المدنيّة النبويّة وقوع أكثر من ثمانين معركة وغزوة وإرسال

سرايا وما شابه، وكان النبيّ(ص) هو القائد العسكريّ المباشر لها.
ومن والواضح أنّ هذه الحروب والغزوات شكَّلت معوِّقات أمام تبليغ تفاصيل الشريعة الإسلاميّة والسنَّة

النبويّة الشريفة.
يقول الشهيد المطهّري: «وإذا أردنا أن نغضَّ النظر عن الواقع الكائن في مكّة والمدينة، ونفترض أنّ

رسول الله (ص) سلك في هذه السنوات الثلاث والعشرين من البعثة نهج المعلِّم الذي لا شأن له إلاَّ

الذهاب إلى الصفّ وتعليم الناس، فمع ذلك لم يكن هذا الوقت وافياً كي يُبيِّن النبيّ(ص) للناس جميع

ما ينطوي عليه الإسلام، فكيف إذا أضفنا لذلك التاريخ القائم (الذي امتصَّ جلَّ أوقات النبيّ(ص))

خصوصاً بشأن دين كالإسلام يبسط حاكميَّته على جميع شؤون حياة البشر؟» .
الحلّ= ولاية الحُجَج (عليهم السلام)
إذاً لا بدَّ من حلٍّ يتسنَّى من خلاله للنبيّ (ص) أن يبلِّغ ويحفظ سنَّته الشريفة التي تمثّل مع القرآن

الكريم توأم التشيُّع الكامل.
فكان الحلّ الإلهيّ يتمثّل بتربية إلهيّة لشخصٍ استثنائيّ يكون وعاءً لعلم النبيّ (ص) ومستودعاً لسنَّته

وحافظا للدين الحنيف. وكان هذا الشخص هو عليّ بن أبي طالب (ع)، فكان محلَّ الفيض الإلهيّ

والتعليم النبويّ.
وهذا ما يعطينا التفسير الواضح لتلك الجلسات الطويلة بين محمّد(ص) وعليّ(ع) وتلك الملازمة

الشديدة بينهما التي كان يعبِّر عنها أمير المؤمنين(ع) بقوله: «ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيلِ أَثَرَ

أُمِّه»، وكان النبيّ (ص) كما يخبر عنه علي(ع): «إذا سألت رسول الله(ص) أجابني وإن فنيت

مسائلي ابتدأني» .
وأكَّدت الروايات أنّ هذا التعليم الخاصّ كان بأمر إلهي، فقد روى أبو نُعَيْم الحافظ الشافعي (ت

430هـ) بإسناده عن رسول الله(ص): «يا علي، إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أدنيك وأعلّمك لتعيَ

وأنزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية) وأنت أذن واعية للعلم» .
ولأجل هذا الدور الإلهيّ في إكمال تبليغ الشريعة الإلهية والسنَّة النبويّة حدَّد النبيّ (ص) أنّ للشريعة

مدخلاً وأنّ لعلمه باباً، من أراد أن يغترف لا بدَّ أن يدخل منه فقال(ص): «أنا مدينة العلم وعليٌّ

بابها» .
ولم تكن فترة حياة أمير المؤمنين (ع) - لا سيَّما بالظروف التي أحاطت بها - كافية لأداء هذا الدور

الكبير في إكمال تبليغ السُنَّة النبويّة، فخزَّن أمير المؤمنين(ع) تفاصيل الشيعة الطاهرة في الحسن

والحسينL ليكونا المرجع التشريعيَّ - بالمعنى المتقدّم - للناس، وهذ ما يكشف لنا سرَّ قول النبيّ (ص)

الذي اشتُهر به: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» .
وشاءت الإرادة الإلهيّة أن تنتقل هذه السنَّة المطهّرة من صدور طاهرة بعد أن يقوم كلّ إمام بدوره

الرائد، فأودع الحسين(ع) علوم الإسلام في ابنه زين العابدين(ع) وهو في الباقر، والباقر(ع) في

الصادق(ع)، والصادق (ع) في الكاظم(ع)، والكاظم(ع) في الرّضا(ع)، والرّضا(ع) في الجواد(ع)،

والجواد(ع) في الهادي(ع)، والهادي(ع) في العسكري(ع)، والعسكري في قائم أهل البيت الحُجّة

المهديّ| لتكتمل به سلسلة النور، وليكون أئمَّة أهل البيت(ع) مع القرآن توأم التشريع الذي خلَّفه

رسول الله وأمر أمته بالتمسّك به حينما قال: «إنّي تارك فيكم الثَّقلَيْن كتاب الله وعترتي أهل بيتي (ما

إن تمسَّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً) ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» .
سرُّ الملتقى‏
فكما كانت عظمة النبيّ (ص) - في أحد جوانبها - أنَّه حمل الرسالة الخالدة التي هي طريقٌ لتحقيق

غاية الخلق، كانت عظمة أهل بيته، ومنهم الحسين(ع) في حفظ هذه الرسالة وإكمال تبليغها.
لذا كان لهم الموقع النورانيّ يوم القيامة.
لذا دعا بأسمائهم أنبياء الله من آدم (ع) إلى عيسى(ع).
لذا رفض النبيّ (ص) أن يُصَلَّى عليه دونهم.
لذا كانوا الأنوار التالية لنوره.
لذا كان الحسين(ع) هوالنور الخامس.

  • الزيارات: 656