فاطمة أمّ أبيها

image

فاطمة (عليها السلام) أمّ أبيها
 
أن تكون المرأة أمّاً لولدها يعني أنّها منبع العطاء العاطفي بلا ملل، ولا كسل، ولا مقابل؛ فعاطفتها مجبولة بغذاء رحمها، وحليب رضاعها ونظرة عينيها، ولمسة يديها، ودفء حضنها...

 

فاطمة (عليها السلام) أمّ أبيها
 
أن تكون المرأة أمّاً لولدها يعني أنّها منبع العطاء العاطفي بلا ملل، ولا كسل، ولا مقابل؛ فعاطفتها مجبولة بغذاء رحمها، وحليب رضاعها ونظرة عينيها، ولمسة يديها، ودفء حضنها...

وعاطفتها هذه لا يصحّ مقاربتها بالمنطق المادّي، أو بالحساب الرياضي، أو بالقانون الوضعي، إنّها خارقة لكلّ تلك المعايير، ولذا لا يمكن أن تقارب مكافأتها بلغة الحقّ.

قال رجلٌ لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ والدتي بلغها الكبر، وهي عندي الآن، أحملها على ظهري، وأُطعمها من كسبي، وأُميط عنها الأذى بيدي، وأصرف عنها من ذلك وجهي استحياءً منها وإعظاماً لها، فهل كافأتها؟ فقال (صلى الله عليه وآله): "لا، لأنّ بطنها كان لك وعاءً، وثديها كان لك سقاءً، وقدمها لك حذاءً، ويدها لك وقاءً، وحجرها لك حواءً، وكانت تصنع ذلك لك وهي تمنّى حياتك، وأنت تصنع هذا بها وتحبّ مماتها"[1].

 أن تكون الفتاة بنتاً لوالدها يعني أنّها مصبّ عاطفته وحنانه، فهي تحتاج إلى العاطفة أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب، لذا كانت نظرة الوالد العاطفية إليها محلّ ثناء الله وثوابه، ولذا ورد في ثقافة الإسلام أن يقدّمها الأب على أولاده الذكور في هداياه، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): "مَن دَخَل السّوق فاشتَرى تحفة فحَمَلها إلى عياله كان كحَامِل صَدَقة إلى قَوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور"[2].

إذاً المرأة الأمّ منبع العاطفة لولدها، والفتاة البنت مصبّ العاطفة من والدها.

  في ضوء ذلك نسأل ما معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "فاطمة أمّ أبيها"[3].

إنّ تبديل صفة البنت بالأمّ فهي أم أبيها بدل بنت أبيها لعلّه من باب أنّها مكتملة في عاطفتها، فهي ليست كسائر البنات، فهي إنسان كامل خاصّ في كماله، لذا هي امرأة، لكن لا تقاس بها النساء، وكمالها العاطفيّ رغم صغرها شبيه بالكمال العقليّ لولديها الحسن والحسين حينما بَاهَل جدُّهما النبيّ بهما وهما صغيران،
﴿فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ...[4]؛ ألا يدلّ ذلك على اكتمالهما العقليّ في صغرهما!! وإلاّ كيف يصحّ المباهلة بهما، والتي تقتضي أن ينزل الله عذابه على الكاذبين.

وعليه فإنّ السيدة فاطمة (عليها السلام) رغم صغرها كانت مكتملة في عاطفتها، ممّا اقتضى أن لا يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام) بنت أبيها بل فاطمة أمّ أبيها.

لكن ما معنى كونها أمًّا لأبيها، وأبوها سيّد بني البشر، والإنسان الأكمل في عالم الإمكان، فهو منزَّه عمَّا يحتاجه الولد من عاطفة الأمومة، فما معنى كون فاطمة (عليها السلام) الكاملة أمًّا لمحمّد (صلى الله عليه وآله) الكامل؟
  
المعنى الأوّل
لنقارب الإجابة من استخدام القرآن الكريم كلمة الأمّ في غير الأمّ النَّسَبِيَّة. قال تعالى:
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ[5]، إنّ هذه الآيات تضع زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) في موضع خاصّ هو أنّهنَّ "أمّهات المؤمنين"، وهذا التوصيف إنّما اكتسبته زوجات النبيّ (صلى الله عليه وآله) من موقع الصِّلة الزّوجيّة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالقيمة الأساسيّة هي لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن خلال هذه القيمة قال تعالى: " وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ"؛ من هذا المدخل يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمؤمنين: يا أيّها المؤمنون، إن كانت زوجاتي أمّهات لكم، فاعلموا بأنّ فاطمة هي ليست أمّكم، بل هي أمُّ نبيِّكم.

المعنى الثاني
ولأمّ أبيها معنى آخر ينطلق من المقاربة اللغويّة للفظ الأمّ، الذي هو الأصل الذي منه تتفرَّع الأمور، يقال: مكّة أمّ القرى أي أصلها ، ومنها تفرُّعها.

وعليه فالسيّدة فاطمة (عليها السلام) هي أمّ أبيها بمعنى كونها الأصل الذي من خلاله يستمرّ أبوها في رسالته، وذلك من خلال ما قامت به لحفظ الإسلام، ولكونها أصل المعصومين من ذريّة أبيها، والذين من خلالهم تستمرّ الرسالة ويستمرّ الرسول رسولاً، وهذا بمعنى ما ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): "حسين منّي وأنا من حسين"[6]، فكون الحسين (عليه السلام) من النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمرٌ واضح، لكنّ كون النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الحسين (عليه السلام) هو بمعنى أنّ استمرار الإسلام ورسالة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وبالتالي محمّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان بسبب ثورة الحسين (عليه السلام) التي لولاها لما بقي للإسلام من أثر.

المعنى الثالث
ولأمّ أبيها معنىً ثالث ينطلق أيضًا من المقاربة اللغويّة للفظ الأمّ الذي يأتي بمعنى الجامع، فقد سُمّيت الفاتحة أمّ الكتاب لأنّها جامعة لما فصَّله القرآن الكريم، فمضمون الكتاب العزيز يدور حول الربوبيّة والنبوّة والمعاد وما بين المبدأ والمعاد، والفاتحة جمعت وحوت كلّ هذا باختصار.

وعليه فالسيّدة فاطمة (عليها السلام) أمّ أبيها بمعنى أنّها الجامعة لصفات أبيها الكماليّة، فمن أراد أن يتعرّف على محمّد (صلى الله عليه وآله) في كماله فليتعرَّف على فاطمة (عليها السلام).


[1]  الميرزا النوري، مستدرك وسائل الشيعة، ج15، ص180.
[2] الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ص 201.
[3] الطبرانيّ، سليمان، المعجم الكبير، ج22، ص 397.
[4]  سورة آل عمران، الآية 61.
[5]  سورة الأحزاب، الآية 6.
[6] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج‏43، ص‏316.

 

 

  • الزيارات: 339