
فاطمة المحدِّثة
وقد ابتدأ حديثها بحديث أنسٍ لأمّها وهي جنين، إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) لما تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكّة،
فاطمة المحدِّثة
من أسماء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) "المحدِّثة"
بداية حديثها
وقد ابتدأ حديثها بحديث أنسٍ لأمّها وهي جنين، إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) لما تزوّج بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هجرتها نسوة مكّة، فكنّ لا يدخلن عليها، ولا يُسلّمن عليها، ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلمّا حملت بفاطمة (عليها السلام) صارت تحدّثها في بطنها وتُصبّرها، وكانت خديجة (عليها السلام) تكتم ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فدخل يوماً وسمع خديجة (عليها السلام) تحدّث فاطمة (عليها السلام)، فقال لها: يا خديجة من يُحدّثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يُحدّثني ويؤنسني، فقال لها: هذا جبرئيل يُبشّرني أنّها أنثى، وأنّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة في الأمّة، يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه...[1].
حديثها في الفقه
جاءت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لَبَس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بَعَثَتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثَنَّت فأجابت، ثم ثلَّثَت إلى أن عَشَّرت فأجابت، ثمّ خجلت من الكثرة فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله: قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عمّا بدا لكِ، أرأيتِ من اكُترِيَ يوماً يصعد إلى سطحٍ بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار، يثقُل عليه ؟ فقالت: لا، فقالت: اكتريتُ أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليّ[2].
حديثها في أخلاقية التعامل مع الآخرين
- كانت تتحدّث عن دور المرأة في أسرتها، فتقول –فيما ورد عنها-: " ويلٌ لامرأة غضب زوجها وطوبى لامرأة رضي عنها زوجها ولم تعصِ له أمراً"[3]
- وروي عن الإمام الحسن(عليه السلام): "رأيتُ أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو بشيء لنفسها، فقلت: يا أمّاه لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بنيّ الجار ثم الدّار[4].
حديثها عن موقع القرب من الله تعالى زماناً ومكاناً
ففي زمان القرب كانت تحدّث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "إنّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عزّ وجل فيها خيراً إلا أعطاه، فقلت: يا رسول الله أيّ ساعة هي؟ قال(صلى الله عليه وآله):" إذا تدلّى نصف عين الشمس للغروب"[5].
وعن مكان القرب الإلهي كانت تحدّث عن المسجد، فتقول: "كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا دخل المسجد صلَّى على محمّدٍ وسلّم، وقال: ربّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلّم، وقال رب اغفر لي ذنوبي وأفتح لي أبواب فضلك"[6].
حديثها عن الولاية
روى ثلاثون صحابياً حديثاً للسيدة فاطمة(عليه السلام) تقول فيه: "سمعت أبي رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه يقول: "أيها الناس يوشك أن أقبض...أني مخلف فيكم كتاب الله ربي عزّ وجل وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي(عليه السلام)، فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض"[7].
ولعلّ من اهمّ أحاديث السيدة الزهراء (عليها السلام) هو ما ورد في خطبتها المشهورة بعد المجريات الحساسة التي حدثت بعد رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذ دخلت مع ثلّة من النسوة إلى مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وضُرب ستار بينها وبين الناس، فإذا بها تقوم خطيبة تدافع عن مقام الولاية قائلة: " أنا فاطمةُ وأبي محمّد، أقولُها عوداً على بدء، وما أقولُ إذ أقولُ سَرَفاً ولا شططاً ﴿لقد جاءَكُم رسُولٌ من أنفسِكُم عزيزٌ عليهِ ما عنِتُّم حريصٌ عليكُم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ﴾ إن تَعزُوهُ تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دونَ رجالكم بلَّغ النِّذارة صادعاً بالرسالة، ناكباً عن سنن المشركين، ضارباً لأثباجهم، آخذاً بأكظامهم داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجذُّ الأصنام، وينكتُ الهام، حتى انهزم الجمعُ، وولّوا الدّبُر، وحتى تفرَّى الليلُ عن صُبحِهِ، وأسفَر الحقُّ عن محضه، ونطق زعيمُ الدين، وهدأت فورةُ الكفر، وخرست شقاشقُ الشيطان وفُهتُم بكلمة الإخلاص. وكنتم على شفا حفرة من النار، فأنقذكم منها نبيُّه، تعبدون الأصنام، وتستقسمون بالأزلام، مذقَة الشَّارب، ونُهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام تشربون الرَّنق وتقتاتون القدّة، أذلّة خاشعين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكُم، فأنقذكُم بنبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والّتي، وبعد ما مُني ببُهم الرجال وذؤبان العرب (كلَّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله) أو نجم قرن الضّلالة، أو فغرت فاغرةُ المشركين، قذفَ أخاهُ في لَهَواتها، فلا ينكفئُ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمدُ لهبها بحدِّه، مكدوداً في ذات الله، قريباً من رسول الله، سيِّداً في أولياء الله، وأنتم في بُلهنية آمنون، وادِعون فرِحُون، تتوكَّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال على الأعقاب، حتى أقام اللهُ بمحمد (صلى الله عليه وآله) عمودَ الدين[8].
لقد بيّنت السيدة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها هذه دور أبيها النبي(صلى الله عليه وآله) في تغيير الواقع الاجتماعي وانتقاله من القعر إلى القمّة.
ثمّ بيّنت أنّ تحصين هذا الواقع من الضّلالة والشرك كان من خلال استعانة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بأمير المؤمنين(عليه السلام) الذي قارنت بينه وبين المخاطبين من خلال مقارنة مواصفات من الأولى بخلافة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فأمير المؤمنين(عليه السلام) يمتاز في خطبة الزهراء (عليها السلام) هذه بالمواصفات التالية:
1- الشجاعة العالية.
2- التصميم الكامل لإنجاز إرادة الله تعالى.
3- الكدّ في ذات الله.
4- القرب من رسول الله(صلى الله عليه وآله)
5- السيادة في أولياء الله
فهو إذاً القوي تصميماً وشجاعة، المقبل على الله تعالى في عمله، القريب من رسول الله(صلى الله عليه وآله)، السيّد في أولياء الله.
بينما يمتاز المخاطَبون بالمواصفات الآتية:
1- حبّ الدَّعة والأمن
2- التكبّر
3- تتبّع أخبار لتغيير المواقف ليكونوا مع الأقوى.
4- الجبن
وبالمقارنة من يكون حقيقاً بالخلافة ؟!!.
[1] المجلسي، بحار الأنوار، ج16، ص 80.
[2] المصدر السابق، ج2، ص 3.
[3] المصدر السابق، ج8، ص 310.
[4] المصدر السابق، ج86، ص 313.
[5] البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج6، ص 183.
[6] السيوطي، الشمائل الشريفة، ج1، ص138.
[7] المجلسي، بحار الأنوار، ج22، ص 476.
[8] الطبري، محمّد ابن جرير، دلائل الإمامة، ص115.