فاطمة المحدَّثة

image

فاطمة المحدَّثة

من أسماء السيدة فاطمة(عليها السلام) "المحدَّثة". والمحدَّث هو مصطلح خاص، إذ يطلق على الإنسان الذي وصل إلى مرتبة ومقام يسمع فيه صوت الملك الذي يحدّثه،

فاطمة المحدَّثة

من أسماء السيدة فاطمة (عليها السلام) "المحدَّثة". والمحدَّث هو مصطلح خاص، إذ يُطلق على الإنسان الذي وصل إلى مرتبة ومقام يسمع فيه صوت الملك الذي يحدّثه، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) "الرّسول الذي يظهر له الملك فيكلّمه، والنبيّ الذي يؤتى في منامه، وربّما اجتمعت الرسالة والنبوة لواحد، والمحدَّث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة "[1].

المحدَّثات في القرآن الكريم
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم ثلاث محدَّثات من قِبَل الملائكة وهي:

1- السيّدة مريم(عليها السلام)
قال تعالى: ﴿وإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ﴾[2]
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾[3]
بل نَصَّ القرآن الكريم على حوار بين مريم وملك أرسله الله إليها، فقال تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾ [4]
 
2- سارة زوجة النبيّ ابراهيم(عليه السلام)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾ [5]

3- أم النبيّ موسى(عليه السلام)
قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[6]

4- فاطمة(عليها السلام) أفضل المحدَّثات
إن كان هؤلاء النساء الطاهرات محدَّثات، فكيف بالسيدة التي أجمع المسلمون شيعة وأهل سنة بأنّها سيدة نساء أهل الجنة.
روى البخاري في صحيحه عن النبيّ(صلى الله عليه وآله): "فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة"[7].
وروى مسلم في صحيحه أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال للزهراء(عليه السلام): " يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين، أو سيّدة نساء هذه الأمّة"[8]

حديث الملك مع فاطمة(عليها السلام):
ورد عن الإمام الصادق(ع: " إنّما سُمّيت فاطمة محدَّثة لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنُتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها وسيّدة نساء الأولين والآخرين"[9].
إضافةَ إلى هذه الرواية المفسّرة لكون الزهراء(عليها السلام) محدَّثة، فإنّ هناك روايات أخرى أدّت نفس الوظيفة التفسيرية، لكنّها دارت حول ناتج حديث الملك مع السيّدة الزهراء(عليها السلام) بما عُرِف بمصحف فاطمة(عليها السلام). وقد ورد الحديث عن مصحف فاطمة(عليها السلام) في روايات عديدة لا شكّ ولا ريب في الاعتبار السنديّ بجملة منها، من قبيل الرواية الصحيحة التي رواها الكليني(ره) في كتابه الكافي بسنده عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً، قَالَ لَه: فَالْجَامِعَةُ؟ قَالَ: تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الأَدِيمِ مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْه، ولَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وهِيَ فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ، قَالَ: فَمُصْحَفُ افَاطِمَةَ (عليها السلام)؟ قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلاً ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وعَمَّا لَا تُرِيدُونَ، إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه (صلى الله عليه وآله) خَمْسَةً وسَبْعِينَ يَوْماً، وكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا، وكَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا ويُطَيِّبُ نَفْسَهَا ويُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا ومَكَانِه ويُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا، وكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَكْتُبُ ذَلِكَ، فَهَذَا مُصْحَفُ افَاطِمَةَ (عليها السلام)..[10]

حدّدت هذه الرواية جملة من العناوين المتعلّقة بحديث الملك مع السيّدة الزهراء(عليها السلام) وهي:
1- المملي هو الملك جبرئيل
2- المملى عليها هي السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)
3- الكاتب هو أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب(عليه السلام)
4- المناسبة هي التعزية بعد رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله).
5- الكتاب هو مصحف فاطمة(عليها السلام)

الجدل حول مصحف فاطمة(عليها السلام):
إنّ تسمية هذا الكتاب بمصحف فاطمة(عليها السلام) كان منشأ لجدل واسع، واتّهام للشيعة بأنّهم يعتقدون بقرآن خاص يختلف عن القرآن المعروف [والعياذ بالله]، وقد نُشرت هذه التهمة بكتب ومقالات وقنوات وإذاعات بهدف التفرقة بين المسلمين في قضية تدور حول الثقل الأكبر المقدّس.

ومع أنّ علماء الشيعة تصدّوا دفاعاً عن وحدة القرآن الكريم، ودفعاً للشبهات المغرضة، إلا أنّ اللافت للانتباه هو ما نصّ عليه الإمام الخميني(قده) في وصيّته مفتخراً بهذا الكتاب قائلاً: "نحن نفتخر أن منا...مصحف فاطمة ذلك الكتاب المُلهَم من قبل الله للزهراء المرضيّة"[11].
 
أسئلة حول مصحف فاطمة(عليها السلام)
لتوضيح العديد من الحقائق حول هذا الكتاب نجيب على الأسئلة الآتية:

س1: ما معنى مصحف ؟
قد يظنّ البعض أنّ كلمة المصحف تعني القرآن مع أنّ هذا خلاف الواقع، فالمصحف كما نصّ أهل اللغة هو "الجامع للصّحف المكتوبة بين الدّفتين"[12].

وهذا تعبير آخر عمّا نطلق عليه هذه الأيّام "الكتاب المجلّد"، لهذا نلاحظ أنّ الجاحظ سمّى كلَّ جزء من أجزاء كتابه "الحيوان" بـ "مصحف"، وكُتب في نهاية الجزء الأول: "تمّ المصحف الأول، ويتلوه المصحف الثاني من كتاب الحيوان" وكتب في نهاية الجزء الثاني: "كمل المصحف الثاني من كتاب الحيوان" وهكذا...[13]

ومع أنّ المصحف كثُر استعماله في القرآن الكريم بعد مجيء الإسلام، وأصبح مشهوراً في هذا المعنى، إلا أنّ شهرته هذه لم تلغِ استعماله في معناه اللّغوي الواسع، كما سنلاحظ، بل لم يثبت وضع لفظ مصحف للقرآن الكريم، لا في الكتاب العزيز الذي لم يرد فيه كلمة "المصحف" أصلاً، ولا في السنّة النبوية.

قال الدكتور ناصر الدين الأسد في مصادر الشعر الجاهلي: "وكانوا كذلك يطلقون على الكتاب المجموع لفظ "المصحف"، ويقصدون به مطلق الكتاب لا القرآن وحده"[14]

وقد استشهد بما ذكره ثلّة من العلماء في ترجمة التابعي خالد بن معدان بأنّ عمله كان: "في مصحف له أزرار وعرى"[15].

وذكر الأستاذ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "معرفة النسخ والصحف الحديثية" أنّ لفظ مصحف هو من جملة المصطلحات المعبّرة عن أنواع الأوعية التي كانت تدوّن فيها السنن"[16].

إذاً لا يصحّ الاعتماد على تسمية كتاب فاطمة(عليها السلام) بـ "مصحف فاطمة(عليها السلام)" لاتهام الشيعة بوجود قرآن خاص باسم مصحف فاطمة(عليها السلام).

2 – ما هو محتوى مصحف فاطمة ؟
تعرّضت روايات مصحف فاطمة(عليها السلام) إلى محتواه بعنوانين: المحتوى المنفي، والمحتوى المُثبت.

المحتوى المنفي:
نفت الروايات اشتمال مصحف فاطمة على أمرين هما:

أ‌-  القرآن
ومن تلك الروايات الواردة عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام):
- "....وخلّفت فاطمة مصحفاً ما هو قرآن"[17].
- "...ومصحف فاطمة، أما والله ما أزعم أنّه قرآن"[18].
- "عندي مصحف فاطمة، ليس فيه شيء من القرآن"[19].
- "....مصحف فاطمة، ما فيه شيء من كتاب الله"[20].
- "....وعندنا والله مصحف فاطمة، ما فيه آية من كتاب الله"[21].
- "....وعندنا مصحف فاطمة، أما والله ما فيه حرف من القرآن"[22] .


ب‌- الأحكام الشرعية
في رواية حمّاد بن عثمان عن الإمام الصادق(عليه السلام): " تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك أنّي نظرت في مصحف فاطمة...أما أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون"[23].

المحتوى المُثبت
ورد في الروايات ما يدلّ على احتواء مصحف فاطمة على الأمور الآتية:

1- مقام النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)
في صحيحة أبي عبيدة عن الإمام الصادق(عليه السلام): "... كَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا، ويُطَيِّبُ نَفْسَهَا ويُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا ومَكَانِه... وكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَكْتُبُ ذَلِكَ، فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ "[24].

2- مستقبل ذريّة الزهراء(عليها السلام)
وفي نفس الراوية السابقة: ".... ويُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا ".

3- الحوادث المستقبلية
عن الإمام الصادق(عليه السلام): ...وأمّا مصحف فاطمة، ففيه ما يكون من حادث"[25].
وفي رواية أخرى تقدّمت: "...فيه علم ما يكون"[26].

4- أسماء الأنبياء والأوصياء
عن الإمام الصادق(عليه السلام): " ما من نبيّ ولا وصيّ...إلا وهو في كتاب عندي"[27]- يعني مصحف فاطمة(عليها السلام).[28]

5- أسماء الملوك وآبائهم
عن الإمام الصادق(عليه السلام): "وأمّا مصحف فاطمة، ففيه ما يكون من حادث، وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة"[29]

استفادة من روايات المحتوى
إنّ المتأمّل في محتوى مصحف فاطمة بحسب الروايات التي ذكرتها يستفيد أنّه كتاب يتحدّث عن تاريخ البشريّة ومستقبلها بأحداثها الماضية والآتية، ففيه أسماء الأنبياء والأوصياء. ونحن نعرف أنّ أوّل إنسان كان نبيّاً، وهذا يعني أنّه تناول تاريخ البشرية من أوله، وفيه أسماء الملوك إلى أن تقوم الساعة. وهذا يعني أنّه تناول مستقبل البشرية انتهاءاً بآخره. والأمر ليس مقتصراً على أسماء الأنبياء والأوصياء والملوك بل على جميع الحوادث، وفيه حديث عن مستقبل ذريّتها، وهذا يعني أنّه يتضمّن الحديث عن دولة الحقّ العالمية بقيادة حفيدها الإمام المهدي(عج). إذاً مصحف فاطمة(عليها السلام) هو كتاب المخطَّط الإلهي لقافلة البشرية منذ وجودها إلى قيام الساعة.

من هنا نفهم كون حديث المصحف هو لعزاء الزهراء(عليها السلام) وتطييب نفسها؛ لأنّ المأساة التي ستجري على ذريّتها –رغم حجمها الكبير- إلا أنّها ستنتهي بتحقيق حفيدها الحادي عشر للمشروع الإلهي الأتمّ، لحلم الأنبياء والأوصياء، لدولة العدل العالمية.

ممّا لا شكّ فيه أنّ هذا النوع من الإخبار فيه تطييب لنفسها وعزاء بمصيبتها بأبيها، وأنّ مشروعه الإلهي لن يستطيع أحد أن يطفئه بل سيتحقّق بعد حين.
 
س3: هل يصحّ نزول جبرئيل بعد انقطاع النبوة
قد يقول قائل: إذا سلّمنا بأن حديث الملائكة مع السيدة الزهراء(عليها السلام) لا مانع منه، ولكن المشكلة تبقى في نزول نفس الملك جبرئيل بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) إلى الأرض، فقد ورد أنه بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) ودّع جبرئيل الأرض قائلاً: "هذا آخر وطئي بالأرض"[30]، فكيف ينسجم هذا مع القول بأن مصحف فاطمة (عليه السلام) قد أملاه جبرئيل على السيدة فاطمة بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله).

وهنا قد يتفاجأ القائل من المجيب والجواب معاً، فالمجيب هو أحد أقطاب علماء أهل السنّة وهو الحافظ السيوطي، وجوابه أن هذا الحديث ضعيف جداً سواء بصيغته الواردة في السؤال أم بصيغته الأخرى، وهي "هذا آخر عهدي بالأرض بعدك"، وسبب الضعف عند الحافظ السيوطي ليس أساسه سند الحديث ورجاله الرواة، بل لأنه يخالف ما يقطع به المسلمون وما رووه في كتبهم وهو أمران:
الأول: إنّه من غير المسلّم أن نزول جبرئيل وقت وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) هو آخر نزول له على الأرض، فإن لجبرئيل نزولاً سنوياً إليها فقد ورد: "أنه ينزل ليلة القدر مع الملائكة يصلون على كلّ قائم وقاعد يذكر الله".
الثاني: إنّ وحي جبرئيل لم ينقطع بوفاته(صلى الله عليه وآله) عام الانقطاع، بل لجبرئيل وظيفة وحي أخرى، وهذا ما نفهمه من خلال حديث "يوحي الله الى عيسى(عليه السلام) أي بعد قتله الدجّال، وهو –أي الحديث كما قال السيوطي- "صريح في أنه يوحي إليه بعد النزول، والظاهر أن الجائي إليه(عليه السلام) بالوحي جبريل(عليه السلام)، بل هو الذي يُقطع به ولا يُردّد فيه؛ لأنّ ذلك وظيفته؛ لأنّه السفير بين الله ورسله عليهم الصلاة والسلام"[31].
 
استفادة من نزول جبرئيل
لقد استفاد الامام الخميني(قده) من نزول جبرئيل على السيدة الزهراء(عليها السلام) مقاماً عظيماً عبّر عنه بقوله: "مسألة مجيء جبرئيل إلى شخص ليست مسألة عاديّة، لا تتصوّر أنّ جبرئيل يأتي إلى أيّ شخص، أو أنّ من الممكن أن يأتي، إنّ هذا بحاجة إلى تناسب بين روح ذلك الشخص الذي يأتي جبرئيل إليه وبين مقام جبرئيل الذي هو الرّوح الأعظم، هذا التّناسب كان قائماً بين جبرئيل الرّوح الأعظم، والدرجة الأولى من الأنبياء، كرسول الله وموسى وعيسى وإبراهيم وأمثالهم"[32].

إنني أعتبر هذه الفضيلة للزّهراء (عليها السلام) على الرّغم من عَظَمة كلّ فضائلها الأخرى أعتبرُها أعلى فضائلها، حيث لم يتحقّق مثلُها لغير الأنبياء، بل لم يتحقّق مثلُها لجميع الأنبياء، وإنّما للطّبقة العليا منهم، ولِأعظمِ الأولياء الذين هم في رُتبتِهم، ولم تتحقّق لشخصٍ آخر. وهذه من الفضائل المختصّة بالصّدّيقة (عليها السلام)"[33].


[1] ابن شهر اشوب، المناقب، ج3، ص 336.
[2] سورة آل عمران، الآية 42.
[3] سورة آل عمران، الآية 45.
[4] سورة مريم، الآية 17-21.
[5] سورة هود، الآية 69-73.
[6] سورة القصص، الآية7.
[7] البخاري، صحيح البخاري، تحقيق ابن باز، دار الفكر، ج4، ص 467.
[8] مسلم، صحيح مسلم، دار الفكر، ج2، ص 467.
[9] المجلسي، بحار الأنوار، ج14، ص 206.
[10] الكليني، أصول الكافي، ج1، ص 241.
[11] الامام الخميني، النداء الأخير، طهران، مؤسسة الإمام الخميني(ره) الثقافية، ص12.
[12] الجوهري، الصحاح، ج4، ص 1384، ابن منظور، لسان العرب، ج9، ص 186، الغراهيدي، كتاب العين، تحقيق المخزومي والسامراني، ج3، ص 120. الزبيدي، تاج العروس، ج6، ص 161.
[13] انظر الجاحظ، أبو عثمان، الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ج1، ص 388، ج2، ص 375، ج3 ص 539، ج4، ص 492، ج5، ص 604، ج6، ص 512، ج7 ص 263.
[14] الأسد، ناصر الدين، مصادر الشعر الجاهلي، ط40، القاهرة، دار المعارف، 1969، ص 139.
[15] المزي، تهذيب الكمال، ج8، ص 17.
[16] أبو زيد،بكر، معرفة النسخ والصحف الحديثية، ط1، جدّة، دار االراية، 1412هـ، ص 28-31.
[17] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج26، ص 41-42.
[18] المصدر السابق، ص 45.
[19] المصدر السابق ص 45.
[20] المصدر السابق ص 48.
[21] المصدر السابق ج47، ص 271.
[22] المصدر السابق، ج26، ص 46.
[23] الكليني أصول الكافي، ج1، ص 240
[24] المصدر السابق ص 241
[25] المجلسي، بحار الأنوار، ج26، ص 18.
[26] الكليني، أصول الكافي، ج1، ص 240/ المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص 32.
[27] ابن بابوية، الإمامة والتبصرة، ص 51.
[28] المجلسي، بحار الأنوار
[29] المصدر السابق ص 18.
[30] الحلبي، السيرة الحلبية، منشورات دار إحياء التراث العربي، ج3، ص 353.
[31] الحلبي، السيرة الحلبية، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ج3، ص 353.
[32] من حديث للإمام الخميني في جمع من الأخوات بتاريخ 02/03/1986.
[33] من حديث للإمام الخميني في جمع من الأخوات بتاريخ 02/03/1986.

  • الزيارات: 3241