فاطمة المرأة

image

فاطمة المرأة

 أطلق الإمام الخميني (قدس سره) على يوم ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام "يوم المرأة" قائلاً:

فاطمة المرأة

 أطلق الإمام الخميني (قدس سره) على يوم ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام "يوم المرأة" قائلاً: "إذا كان لا بدّ من يوم للمرأة، فأي يوم أسمى وأكثر فخراً من يوم مولد فاطمة الزهراء (عليه السلام)، المرأة التي هي مفخرة بيت النبوّة، وتسطع كالشمس على جبين الإسلام العزيز "[1].

المرأة قبل الإسلام:
عانت المرأة ما قبل الإسلام من نظرة وتحقير العديد من المجتمعات التي لم تلاحظ الحدّ الأدنى من حقوقها، وهذا ما يظهر من خلال ملاحظة وضع المرأة في المجتمعات الآتية:

المرأة عند اليونانيين القدماء:
كان الزواج يتم عند قدماء اليونان من خلال شراء الزوج لزوجته مقابل عدداً من الثيران أو ما يساويها يسلمها الخاطب لأبيها، والذرية من الذكور كان لها مكانتها وتعطى الفرصة للتعليم والتثقيف، أما الإناث فقد كن يوضعن في العزلة والحماية بعد الزواج ويعشن في ركن من أركان بيت الزوجية، وكانت وظيفتهن بالدرجة الأولى هي إنجاب الأطفال، وإذا ما فشلت إحداهن في إنجاب الذرية فإن نصيبها العودة إلى بيت والدها[2].

المرأة عند الرومان القدماء:
عند قدماء الرومان كان انتقال ملكية المرأة من أبيها إلى زوجها يتم بطريق البيع بالقبض وبها يدفع الزوج  الثمن لقاء الحصول على الزوجة، مثل أي سلعة تباع وتشترى[3].

مكانة المرأة في الهند:
شريعة مانو  في الهند لم تكن تعرف للمرأة أي حق مستقل عن حق أبيها أو زوجها أو ابنها وفي حالة وفاة الأب والزوج فإذا انقطع هؤلاء جميعاً وجب عليها أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها بالنسب ولا يجوز أن تستقل بنفسها بأي حال من الأحوال، وأشد من نكران حقها في معاملات المعيشة نكران حقها في الحياة المستقلة عن زوجها، بل أن تحرق معه على موقد واحد عندما يموت وقد دامت هذه العادة القديمة حتى القرن السابع عشر[4].

المرأة في انكلترا:
النساء أمام القانون كُنَ في الحقيقة جزء من ممتلكات الرجل أي عبارة عن أموال منقولة تتمتع بشيء من الحقوق، كانت الفتاة قبل زواجها تحت سيطرة والدها أو ولي أمرها وبعد زواجها تصبح تحت سلطة الزوج، ولم تكن تتمتع بأي سلطة أو شخصية شرعية[5].

المرأة في فرنسا:
كانت فرنسا منهمكة في رعاية مؤتمر عقد في القرن السادس الميلادي، للوصول إلى معرفة حقيقة المرأة، هل هي من صنف الإنسان أم من صنف آخر؟[6].

عند العرب:
لعلّ من أوضح ما يُبيّن حال المرأة عند العرب قوله تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ [7].
 
مكانة المرأة في الإسلام:
مقابل ما كان عليه وضع المرأة، جاءت تعاليم الإسلام لتؤكّد أنّ المرأة والرجل من حيث القيمة الإنسانيّة والقابليّة الكماليّة غير متفاوتين،
- وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾[8].
- كما أكّد القرآن الكريم أنّ نظرة الله تعالى إلى عمل الرجل والمرأة هي واحدة، تنطلق من إنسانيَّتهما، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾[9].

المرأة قدوة الرجل:
ومن اللافت في القرآن الكريم، الدّال على مكانة المرأة فيه أنّه جعل آسية زوجة فرعون مثالاً وقدوةً يحتذي بها الرجال المؤمنون، إضافة إلى النساء المؤمنات، قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[10].

المَلَك يتمثّل للمرأة:
كما من اللافت أنّ القرآن الكريم تحدّث عن تمثّل المَلَك العظيم جبرئيل للمرأة الجليلة السيّدة مريم عليها السلام: ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾[11].

فاطمة عليها السلام تستنزل جبرئيل:
وقد تكرّر المشهد ، دون حديثٍ عن تمثّل، مع سيّدة نساء العالمين السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام حين وصل كمالها المعنوي أنّها جذبت إليها الروح الأمين جبرئيل (عليه السلام) بعد رحيل رسول الله (صلى اله عليه وآله)، وتمام شريعته، وانتهاء الدور التشريعي لجبرئيل (عليه السلام)، ليُحدِّث الزهراء (عليه السلام) عن مكانة أبيها (صلى اله عليه وآله) والمخطّط الإلهي لمستقبل البشريّة، وما يؤول إليه الأمر من تحقيق الهدف الوقد تكرّر المشهد ، دون حديثٍ عن تمثّل، مع سيّدة نساء العالمين السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام حين وصل كمالها المعنوي أنّها جذبت إليها الروح الأمين جبرئيل (عليه السلام) بعد رحيل رسول الله (صلى اله عليه وآله)، وتمام شريعته، وانتهاء الدور التشريعي لجبرئيل (عليه السلام)، ليُحدِّث الزهراء (عليه السلام) عن مكانة أبيها (صلى اله عليه وآله) والمخطّط الإلهي لمستقبل البشريّة، وما يؤول إليه الأمر من تحقيق الهدف الإلهي فيها.

احترام الإسلام للمرأة:
زخرت نصوص الإسلام باحترام المرأة وإعلاء شأنها في تنوّع حالاتها الاجتماعيّة:

فاحترمها ابنةً، معلناً بلسان رسول الله (صلى اله عليه وآله): "نِعمَ الوَلَدُ البَنَات"[12]، وأنّها تُقدّم على الذّكور، بغضّ النّظر عن العُمر، ففي الحديث النبوي: "من دَخَل السّوق، فاشترى تحفةً فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قومٍ محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذّكور، فإنّ من فرّح ابنةً، فكأنّما أعتق رقبةً من وُلد اسماعيل..."[13].

واحترمها أمّاً، فقدّم الإحسان إليها على الإحسان إلى الأب، فقد جاء رجل إلى رسول الله (صلى اله عليه وآله) فقال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أمّك، قال: ثمّ من؟ قال: أباك "[14].

وهذا الإمام الخميني (قدس سره) يقول: " إنّ ليلة واحدة من سهر الأمّ على طفلها تعادل سنين من عمر أبٍ ملتزم"[15].

واحترمها أختاً، فها هو رسول الله (صلى اله عليه وآله) يفترش عباته لتجلس عليها اخته من الرضاعة.

واحترمها زوجةً، فها هو رسول الله (صلى اله عليه وآله) يقول: " ألا خَيركم خَيركم لنسائه، وأنا خَيركم لنسائي"[16].

لقد لخّص الإمام الخميني (قدس سره) ما قدّمه الإسلام للمرأة بقوله: "خدم الإسلام المرأة بنحو لم يكن له سابقة في التاريخ، لقد انتشل المرأة من تلك الاوحال، وأكرمها، وجعلها إنسانة ذات شخصية"[17].

وقد أعطى رسول الله (صلى اله عليه وآله) سلوكاً في قيمة المرأة ومكانتها واحترامها في علاقته مع ابنته السيّدة فاطمة (عليه السلام)، وقد عبّر الإمام الخميني (قدس سره) عن ذلك بقوله: " ويشهد تاريخ الإسلام على الاحترام الكبير الذي أولاه رسول الله (صلى اله عليه وآله) لهذا المولود النبيل لكي يلفت الأنظار الى عظمة المرأة ومكانتها في المجتمع وأنها ليست أدنى من الرجل (إن لم تكن أفضل منه)، إذن: فمثل هذا اليوم هو يوم حياة المرأة.. يوم ولادة فخرها وانطلاقة دورها العظيم في المجتمع"[18].

الدور الأساس للمرأة:
إنّ المرأة كالرّجل في دور الخليفة، سواء في مسارها التكاملي الفردي، أم في مسار تكامل المجتمع، إلا أنّها تتميّز بدور رئيسي عن الرّجل، وهو دور بناء وصناعة الإنسان.

فقد خصّ الله تعالى المرأة بكونها وعاءً جسدياً وعاطفياً للإنسان، وأراد أن يستمرّ دورها بعد الإنجاب في المواكبة العاطفيّة والمعنويّة له، فجعلها مصدر غذائه الطفولي، ودقّات قلبها نغمُ حياته الأولى، ولمستها حريره المؤنس.

ولأجل هذا الدور في صناعة الإنسان، لا سيما في تكوينه العاطفي، جَبَل الله تعالى المرأة بجِبلّة خاصّة من العاطفة الدافقة، والتي أراد لنا أن نراعيها ونغذّيها. وما تَقَدُّم الأنثى على الذّكر في هديّة الأب، وما الدّعوة إلى إسماعها كلمات الحبّ من الزّوج، وغير ذلك، إلا دعوة إلى تلبيةٍ واستجابةٍ لمتطلّبات تلك العاطفة.

من هنا أراد الله للمرأة في دورها الأساس أن تعتني بصناعة الإنسان، فقدّم وجودها عند طفلها والصلاة قرب مهده، على وجودها في المسجد والصلاة قرب محرابه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "خير مساجد نسائكم البيوت"[19].     

وإن كان هذا حال الخروج من البيت إلى المسجد، فعليه يُقاس خروجها إلى غير بيت الله؛ فدورها في التكامل الاجتماعي محفوظ ومطلوب، ولكن دائرة صناعة الإنسان ينبغي أن تكون الأساس.

فالمرأة كما يقول الإمام الخميني (قدس سره)، كالقرآن أوكل الله إليها صنع الإنسان.

المرأة الإنسان:
مراعاةً لتلك العاطفة، وحفظاً لمكانة المرأة، أراد الله أن يتمّ التعامل معها كإنسانٍ بقيمه الإنسانيّة، في مقابل النظرة إليها كأداة لاستمتاع الرّجل، وأداة للربح والكسب ولترويج مصالحه الاقتصاديّة.

وما الأحكام الإسلامية من وجوب الحجاب، وحرمة النّظر بشهوة وما يزيد عليها، وتحريم الخلوة، والنهي عن الخضوع في القول ونحوها... إلا حفظاً لإنسانيّة المرأة.

فحذار حذار، من الدعوات البرّاقة في عناوينها، الهادفة إلى النيل من إنسانيّة المرأة.

حذار حذار، من استهداف الأسرة التي ما زالت محصّنة في مجتمعنا، عبر الحملات بعنوان حقوق المرأة ومساواتها مع الرّجل، حتى تقع الأسرة في الشراك التي وقعت فيها الأسرة الغربية، وما زالت ضائعةً في متاهاتها.

ليكن مولد الزهراء (عليه السلام) "يوم المرأة"، مناسبةً لتحصين إنسانيّة المرأة، وتصويباً لمسارها الكمالي من خلال القدوة الأولى فاطمة بنت محمّد.


[1]  الإمام الخميني، كلمة بمناسبة يوم المرأة بتاريخ 17/5/1980 م.
[2] عبد المنعم جبري، المرأة عبر التاريخ البشري، ص197.
[3] عبد الهادي ،عباس، المرأة والأسرة في حضارات الشعوب وأنظمتها، ج 1، ص54.
[4] جولييت منس، المرأة في العالم العربي، ترجمة الياس مرقص، ص46.
[5] جولييت منس، المرأة في العالم العربي، ترجمة الياس مرقص، ص48.
[6] عبد اللطيف ياسين قصاب، المرأة عبر التاريخ، ص77.
[7] سورة النحل:الآية 58-59
[8] سورة آل عمران: الآية 195.
[9] سورة النحل: الآية 97.
[10] سورة التحريم: الآية 11.
[11] سورة مريم: الآية 17.
[12] الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص5.
[13]  الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، ص672.
[14] وسائل الشيعة، ج21، ص491.
[15] مقطع من رسالة كتبها الإمام الخميني لابنه السيّد أحمد بتاريخ 28/04/1982.
[16] وسائل الشيعة، ج7، ص122.
[17] من كلمة للإمام الخميني بتاريخ 09/11/1978.
[18] من كلمة بمناسبة يوم المرأة: 24/4/1981.
[19] الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج3، ص510.

  • الزيارات: 129