
فاطمة (عليها السلام) المسبّحة
قال تعالى: ﴿تُسبّح له السماوات السبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيء إلاّ يُسبّح بحمده .. ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾
فاطمة (عليها السلام) المسبّحة
قال تعالى: ﴿تُسبّح له السماوات السبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيء إلاّ يُسبّح بحمده .. ولكن لا تفقهون تسبيحهم﴾ 1.
ارتبط اسم السيدة فاطمة (عليها السلام) بتسبيح لله تعالى سُمِّي بتسبيح الزهراء (عليها السلام)، وهو ما علَّمه وهداه إليها أبوها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما ورد ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
قصّة تسبيح الزهراء (عليها السلام)
فعنه (عليه السلام): " أهدى بعض ملوك الأعاجم رقيقًا، فقلت لفاطمة: اذهبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاستخدميه خادمًا، فأتته، فسألته ذلك . . فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا فاطمة، أعطيك ما هو خير لك من خادم، ومن الدنيا بما فيها: تكبّرين الله بعد كلّ صلاة أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثمّ تختمين ذلك بلا إله إلا الله، وذلك خير لك من الذي أردت، ومن الدنيا وما فيها، فلزمت صلوات الله عليها هذا التسبيح بعد كلّ صلاة ونسب إليها" 2.
كيفية تسبيح الزهراء (عليها السلام)
من الرواية السابقة يعرف أنّ تسبيح الزهراء (عليها السلام) عو عبارة عن أذكار ثلاثة لكلٍّ منها عدد محدَّد وهي:
1- الله أكبر 34 مرّة.
2- الحمد لله 33 مرّة.
3- سبحان الله 33 مرَّة.
المجموع 100 ذِكر.
وقد روى الشيخ الكليني (قدس سره) عن محمد بن جعفر أنه قال: "إنه كان يسبِّح تسبيح فاطمة صلّى الله عليها فيصله، ولا يقطعه" 3.
موقع تسبيح الزهراء (عليها السلام)
حدَّدت الروايات لتسبيح الزهراء (عليها السلام) موقعين هما:
الأولى: بعد كلِّ صلاة قبل أن يرفع رِجلاً عن أخرى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من سبَّح تسبيح فاطمة (عليها السلام) قبل أن يثني رجله من صلاة الفريضة غفر الله له " 4. وعنه (عليه السلام): "من سبَّح تسبيح فاطمة (عليها السلام) في دبر المكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب الله له الجنّة" 5.
الثانية: قبل النوم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "من بات على تسبيح فاطمة (عليها السلام) كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" 6.
منزلة تسبيح الزهراء (عليها السلام)
1- أفضل تحميد
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ما عُبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام)، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة (عليها السلام)" 7.
2- خير من الدنيا وما فيها
وهذا ما ورد في الرواية السابقة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): " . . وذلك خير لك من الذي أردت، ومن الدنيا وما فيها" 8.
3- أحبّ من صلاة ألف ركعة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "تسبيح فاطمة (عليها السلام) في كلّ يوم في دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم" 9.
ثواب تسبيح الزهراء (عليها السلام) وآثاره
1- المغفرة
فقد ورد في الحديث السابق عن الإمام الباقر (عليه السلام): "من سبَّح تسبيح فاطمة (عليها السلام) ثمّ استغفر غُفر له" 10.
2- يملأ الميزان ويزيد
عن الإمام علي (عليه السلام): "التسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملأ الميزان، والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض" 11.
3- الجنّة
فقد ورد في الحديث السابق: "من سبَّح تسبيح فاطمة .. أوجب الله له الجنّة" 12.
4- رضا الرحمان
في الحديث السابق عن الإمام الباقر (عليه السلام): "من سبَّح تسبيح الزهراء (عليها السلام)، ثمّ استغفر .. وترضي الرحمان" 13.
أثر تسبيح الزهراء (عليها السلام)
ورد في الدعاء: "اللهم إني أعوذ بك من العديلة عن الموت" 14. والعديلة هي عنوان لمحاولة يقوم بها إبليس في حال احتضار الميت حينما يفقد الأمل ممن حوله في الدنيا، فيحاول عندها أن يعطيه أملاً بالنجاة بشرط أن يعدل عن الحقّ إلى الباطل، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "ما من أحد يحضره الموت إلاّ وكَّل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر، ويشكّكه في دينه حتى تخرج نفسه..." 15.
والإمام الباقر (عليه السلام) يعرّفنا وسيلةً للنجاة من العديلة ألا وهو تسبيح الزهراء (عليها السلام) فعنه (عليه السلام): "من سبّح تسبيح الزهراء (عليها السلام)، ثمّ استغفر غفر له، وهي مئة باللسان، وألف في الميزان، وتطرد الشطان، وترضي الرحمان" 16.
آداب تسبيح الزهراء (عليها السلام)
قال الإمام الخميني (قدس سره) في كتابه الآداب المعنوية للصلاة: "يجب في تسبيح فاطمة (عليها السلام) أيضاً التبتّل، والتضرّع، والانقطاع، والتذلّل في القلب، ومع التكرار يتعوَّد القلب على هذه الحال، وإيصال الكر من اللسان إلى القلب، حتى يذوب القلب في الذكر والتوجّه إلى الله".
ولعلّ ما يرشد إلى أهميَّة التوجّه القلبيّ أثناء تسبيح الزهراء (عليها السلام) هو ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا شككت في تسبيح فاطمة الزهراء (عليها السلام) فأعد" 17. فإنّ القاعدة في الشكّ في العدد أن يبني الشاكّ على الأقلّ، فلعلَّ ما ورد من الإعادة ليحرز المسبِّح توجّه القلب إلى الله أثناء ذكر التسبيح.
معنى تسبيح الزهراء (عليها السلام)
أ- معنى الله أكبر
ورد أنّ رجلاً فسّر الله أكبر بأنّه تعالى أكبر من كلّ شيء، فردّ عليه الإمام الصادق (عليه السلام): "حدّدته، فقال الرجل: وكيف أقول: فقال (عليه السلام): الله أكبر من أن يوصف" 18.
ب- معنى الحمد لله
إنّ الشكر يكون للإحسان، والثناء مدحٌ للإعجاب، أمّا الحمد فهو مجمع للشكر والثناء، فهو تعبير عن قراءة للوحة الجمال الإلهيّ، وهو شكر لعطاء الله تعالى.
فالحامد لله لا يرى في فعل الله إلاّ جميلاً، ويشكر الله على كلِّ شيء.
ج- معنى سبحان الله
إنّ معنى تسبيح الله هو تنزيهه عن كلّ عيب ونقص، فالتسبيح اللسانيّ هو إقرار لسانيّ بهذا التنزيه الاعتقاديّ القلبيّ لله تعالى، والذي ينطلق من كلّ شيء، كلٍّ بحسب إدراكه كما يفهم من آية الصدارة "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ" 19.
التكامل بين الأذكار الثلاثة
ممّا مرّ يفهم التكامل بين تكبير الله تعالى بكونه أكبر عن أن يوصف، فهو فوق كلّ ما يمكن أن يتصوّره متصوِّر، بناءً عليه يُنظر إلى فعله تعالى الذي هو في أعلى مراتب الجمال والإحسان.
وانطلاقًا من كونه تعالى أكبر من أن يوصف ومحمود على كلّ فعل تنزّه ذاته تعالى وأفعاله عزّ وجلّ من كلِّ نقص وعيب، وبهذا يكتمل التوحيد ولعلّه لأجل هذا عقّب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) للسيّدة فاطمة (عليها السلام) بعد أن علّمها التسبيحات الثالث بقوله: "ثمّ تختمين بـ "لا إله إلاّ الله" 20.
سبّحة الشهداء
ولتسبيح فاطمة (عليها السلام) علاقة خاصّة مع الشهداء فقد ورد أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) صنعت من طين قبر سيّد الشهداء "حمزة" سبّحة خاصّة كانت تسبّح الله فيها، ولعلّ هذا يوحي بأنّ الشهادة تمثّل التعبير الحقيقيّ: 1- عن تكبير الله تعالى؛ فالشهيد قدّم الله المطلق في كماله،2- تحميد الله تعالى، فالشهادة تنطلق من رؤية الجمال الإلهيّ والشكر لله تعالى، 3- تسبيح الله تعالى؛ فإنّ عبور الشهداء في موكب النور إلى الله تعالى يعبِّر عن خير تنزيه لله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
1 سورة الإسراء، الآية 44.
2 المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار،ج 82، ص 336، ح25.
3 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج3، ص 342.
4 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 82، ص335.
5 المصدر السابق، ص 332.
6 المصدر السابق نفسه.
7 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج3، ص 343.
8 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 82، ص 336.
9 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج3، ص 343.
10 الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج 6، ص 442.
11 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج 2، ص 506.
12 الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 5، ص 34.
13 الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ص 163.
14 القمي، عباس، مفاتيح الجنان، ط 2، بيروت، الأعلمي، ص 128.
15 الكليني، محمد بن يعقوب، فروع الكافي، ج 3، ص 123.
16 الصدوق، محمّد، ثواب الأعمال، ص 163.
17 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج 3، ص 342.
18 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج 1، ص 117.
19 سورة الإسراء، الآية 44.
20 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 82 ، ص 336.