جامعة المصطفى (ص) تقيم حفلها السنوي



وبتقديمٍ وتعريف من الشاعر الشيخ عبّاس فتوني افتتح الحفل بآيٍ من الذكر الحكيم، تلاه كلمة لممثّل المصطفى (ص) في لبنان الدكتور بنياز، الذي رحّب بالحضور، شاكراً لهم تلبية الدعوة، مشدّداً في كلمته على لزوم الوحدة وتوحيد الكلمة، وإحياء اسم محمّد بالعمل الدؤوب والجهد الدائم، وذلك في سبيل حماية الأمّة والإنسان.

بعده كانت الكلمة  لممثّل مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة سماحة الشيخ هشام خليفة، الذي شدّد في كلامه على خطورة المرحلة، ولزوم الوقوف صفّاً واحداً في قِبال الهجمة الشرسة المنظّمة على الدين، مؤكّداً وجوب الاحتكام إلى السلم والسلام، ووحدة ما أرساه لنا نبيّ الإسلام، كي تبقى أمّة الخير بخير، وتضيع فرص المغرضين الحاقدين، والتكفيريّين الذين بعدت عنهم مفاهيم الرحمة التي جاء بها الرسول الأعظم (ص).


بعد ذلك كانت الكلمة لسماحة المفتي الممتاز الشيخ أحمد قبلان، الذي قارب معاني التوحيد بنبيّ الرحمة (ص)، وما رشحت عنه محمّدية وجوده، وما أرساه من معاني الجمال والكمال، مستنكراً أفعال كثيرٍ من دول النفط سوء احتكامهم لذلك العظيم، وبعدهم عن سماحة نهجه، وتضليلهم لحقيقة عظمته، وهو ما انعكس سلباً على الأمّة الإسلاميّة ككل.

وفي كلمة له عن التطرّف والإلحاد، تحدّث ممثّل الكاردينال بشارة الراعي الأب عبدو أبو الكسم عن شوائب من يحمل ضباب الفكر، ووجوب الوقوف بيدٍ واحدة لحماية الإنسان، وصون كرامته، ورفض الإساءة لدين الإسلام، الذي جاء بالرحمة، فانصهر بالمحبّة التي أتى بها المسيح، كما أكّد على ضرورة عقد العزم لمواجهة هذا الفكر الضال، والموجود تارة في التطرّف الإسلامي، وأخرى في المسيحيّة الصهيونيّة.

بعدها اعتلى المنبر ممثّل شيخ عقل الطائفة الدرزيّة الشيخ سامي أبو المنى، الذي نوّه لجملة نقاط وحدويّة، مؤكّداً لزوم العمل على تفتيت صخور الجهل والتكفير، وضرورة الالتحام على دربِ الهدى والوحدة والمعرفة الموصلة إلى برّ النجاة والخلاص.

أمّا الكلمة السادسة فكانت لأمين عام اتّحاد علماء المقاومة سماحة الشيخ ماهر حمّود الذي أكّد في خطبته على بوصلة الحق، ومعلم الحقيقة، تلك التي نشرها نبي الرحمة (ص) فكانت لله ومن الله، وجاءت -كما كلّ الأديان- لتوصل هذا الإنسان إلى العلى، وتسمو به ناحية السماء، مشدّداً في كلمته على ضرورة الوقوف مع المقاومة، لأنّها تمثّل ذلك النبي (ص) وتحمل قيمه، بجهدها وجهادها، ومواقفها وعطائها، وفي الجهة الأخرى فإنّ دعاة الحرية اليوم باستهزائهم أبعد من أن ينالوا من عظمة حبيب الله، وأضعف من أن يطفِئوا نور الإسلام، لأنّ الله تكفّل به وعصمه مع وجود ثلّة مخلصة تعمل على توحيد الأمّة ونبذ الخلافات ومواجهة فتنة التكفير والضلال. 

أما الكلمة الأخيرة فكانت لممثّل الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ الدكتور أكرم بركات الذي طرح عدّة صفات وأخبارخبارأخبأخبار من سيرة النبيّ محمّد (ص)، التي حملت معاني الرحمة للعالمين، وللإنسان دون حصرها بخصوص أهل الإسلام، وهو الأمر الذي لا ينسجم اليوم مع من انتسب زوراً لهذا النبيّ الكريم، وخرج بفعله عن اسمه ورسمه ومنهجه وفكره، فتخبّط في ظلمات الجهل وأزقّة الضلال

كلمة الشيخ د.أكرم بركات كاملةً :

إنسانيّة الرسول (ص)

     قال الله تعالى: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "[1].

     رسول من أنفسكم خطاب للناس لا لخصوص المؤمنين بقرينة قوله تعالى: "بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ" فهو رسولٌ إنسان، إنسانٌ حريصٌ على الإنسان، عزيزٌ عليه لقاء الإنسان للمكروه بسبب بعده عن الإيمان.

    إنّه الإنسان المعنيّ بكلّ إنسان، الجاهد في مسيرته لإيصال كلّ إنسان إلى سعادته من خلال الإيمان، وهذا ما خاطبه ربُّه به قائلاً عزّ وجلّ: "فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ"[2]، فالناس كلّهم في نظره عيال الله، فهو (ص) القائل: "الخلق كلّهم عيال الله فأحبّهم إلى الله عزّ وجلّ أنفعهم لعياله"[3].

لذا مع أنّه (ص) كان شديدًا في جبهة الحرب ضدّ من حمل السلاح معتديًا على أهل الإيمان إلاّ أنّ قلبه كان ينبض بالحنان والشفقة والتأسُّف على من آذاه.

    - فهو القائل حينما أرسل إليه المشركون صبيانهم يقذفونه بالحجارة: "اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون"[4].

    - وهو المجيب زوجته خديجة الكبرى (رض) حينما نزف دمًا بسبب اعتدائهم فقالت له "دع الدم يقع على الأرض فأجابها (ص): أخشى أن يغضب ربُّ الأرض على من عليها"[5].

   - وهو الذي بكى يهوديًا يشيَّع إلى قبره، فقال له صاحبه: أتبكي على يهوديّ مات، فأجابه: "إنّما هي نفسٌ فرّت منّي إلى جهنّم".

    - وهو الرادّ على صاحبه حين قال في فتح مكّة: "اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة" بقوله (ص): "اليوم يوم المرحمة اليوم تحمى الحرمة".

   معالم الأمّة الممهِّدة

   لأنّه كان كذلك استحقّ أن يرسله الله رحمةً للعالمين، وليس لخصوص المؤمنين، وكما قال الله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"[6].

   ولتحقيق هذا الهدف المحتوم في قضاء الله تعالى، "ولو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد" قام رسول الرحمة بالدعوة إلى الأمّة الإسلاميّة الممهِّدة للمجتمع الإنسانيّ، ورسم القرآن الكريم معالم هذه الأمّة التي لا بدّ أن تكون في أعلى جاذبيّة للناس للتمهيد لذلك المجتمع الإنسانيّ، لذا كان وصف الأمّة الإسلاميّة أولاً بأنّها واحدة: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "[7].

   واللافت تقديم وحدة الأمّة على عبادة الله تعالى، وهذا يتناسب مع تقديم النبيّ هارون (ع) وحدة بني إسرائيل على انحرافهم عن عبادة الله تعالى في قوله لأخيه كليم الله موسى (ع) حينما سأله عن سب عدم تدخّله الحاسم معهم:"...إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي "[8].

   ثانيًا: بأنّها أمّة معتدلة وسطيّة غير متطرِّفة قال تعالى:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا"[9].

   ثالثًا:بأنّها أمّة متسامحة في هويّة الانتساب إليها قال تعالى: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"[10].

   أراد الله تعالى من خلال ذلك أن تكون أمّة الإسلام

   أمّة جاذبة لا منفِّرة، أمّة واحدة لا متفرِّقة، أمّة وسطيّة لا متطرِّفة، أمّة مرنة في الاحتواء لا مقصيَّة للآخرين.

   محمّد (ص) الشعيرة

والقدوة في تلك القيم كلّها هو رسول الإنسانيّة محمّد (ص)، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"[11].

ولأنّه (ص) كان في أعلى قيم الإنسانيّة استحق رسول الله (ص) أرفع وسام خلقي استحقّ أن يوصف خلقه بالعظيم من العظيم، ورد أنّ يهوديًّا أتى إلى الصحابيّ بلال الحبشيّ وقال له: أخبرني عن أخلاق رسولكم, فدلّه على السيدة فاطمة(ع) فطلب منها ذلك, فدلّته على أمير المؤمنين(ع) الذي سأل اليهودي: "صف لي متاع هذه الدنيا حتى أصف لك أخلاقه. فقال الرجل: هذا لا يتيسر لي, فقال الإمام علي(ع): "عجزت عن وصف متاع الدنيا, وقد شهد الله على قلَّته حيث قال: (قل متاع الدنيا قليل)[12], فكيف أصف أخلاق النبي(ص) وقد شهد الله تعالى بأنه عظيم حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[13]"[14].

لذا جعل الإسلام محمّدًا (ص) شعيرة عظيمة من شعائر الله، فرفع اسمه مع رفع الأذان، وأقامه مع الإقامة، وأدخله في تشهّد الصلاة، ودعانا أن نسمِّي أولادنا باسمه، وبارك الله المسمَّى باسمه حيثحلّ، فقدورد عنه (ص): "بورك بيت فيه محمّد، ومجلس فيه محمّد، ورفقة فيها محمّد"[15]،وحثَّناعلى أن نصلّي كلّما سمعنا أو ذكرنا اسم محمّد (ص) على محمّد وآل محمّد (ص). وما ذلك إلاّ لأجل قيم محمّد الإنسان الذي أرسله الله:

للرحمة  لا للذبح

للحريّة لا للسبي

للجمع لا للإقصاء

للعدل لا للظلم

للإنسانيّة لا للعدوانيّة

تشويه محمّد

ومع نصوع حقيقة محمّد (ص) فقد تعرّضت للتشويه صورة وقيمًا، من خارج دائرة الأمّة، ومِنْ مَنْ انطوى فيها.

ففي بداية البعثة المباركة حاول المشركون تشويه صورته من خلال نعوت وألقاب أطلقوها عليه، وبعد رحيل رسول الله (ص) جاء الخوارج عن الأمّة من داخلها يقتلون الأبرياء ذبحًا وبقرًا باسم دين محمّد (ص). واليوم نشهد هذين النوعين من التشويه، تشويهًا من داخل الأمّة من خلال التكفيريّين الدمويّين المنفِّرين بسلوكهم من دين الإسلام، وتشويهًا من خارج الأمّة من خلال أولئك الحاملين لقلم بني صهيون الذي أخذ على نفسه تشويه المقدّسات.

ألا يؤكِّد هذا التقاطع التشويهيّ للإسلام ولنبيّه (ص) بين التكفيريّين والمستهزئين سؤالاً حول المحرِّك لكلٍّ منهما؟

أليس من العجب أن يرفع المستهزئون شعار القضاء على الإرهاب، وفي الوقت نفسه يسعِّرون الإرهاب بنشر الصور المسيئة لرسول الإسلام، فهل هو غباء مسترسل، أو حقد أعمى، أو مخطّط مشبوه.

الموقف

إنّ الموقف ممّا نشهده من تشويه خارجيّ وداخليّ إضافة إلى الاستنكار والتنديد هو مزيد من بثّ الوعيّ والبصيرة والوحدة والتلاحم، أمّا صورة رسول الرحمة محمّد (ص) فمهما فعلوا لن يستطيعوا تشويهها، وقد حسم الله تعالى نقاءها في مستقبل الرسالة كما في ماضيها حينما قال: " إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ "[16]. وأخيرًا: في ذكرى ولادة رسول الإنسانيّة نقول: لو علم الناس من هو محمّد لاحتفى العالم كلّه بولادة محمّد.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفي الختام كان الشكر من جميع الحضور لجامعة المصطفى (ص) العالميّة في لبنان على تنظيمها لهذا الحفل ورعايتها لقضيّة الوحدة، ودعوتها الكريمة لهم في سبيل الخير والرحمة والإنسان



[1] سورة التوبة، الآية 128.

[2] سورة فاطر، الآية 8.

[3] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج16، ص 345.

[4] ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص 385.

[5] المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج18، ص 243.

[6] سورة التوبة، الآية 33.

[7] سورة الأنبياء، الآية 92.

[8] سورة طه، الآية 94.

[9] سورة البقرة، الآية 143.

[10]سورة الحجرات، الآية 14.

[11]سورة الأحزاب، الآية 21.

[12]سورة النساء، الآية 77.

[13]سورة القلم، الآية 4.

[14]الرازي، فخر الدين، تفسير الرازي، ج32، ص 21.

[15]الطبرسي، حسين، مستدرك الوسائل، ج15، ص 130.

[16]سورة الفتح، الآيتان 1-2.


.