القرآن معجزة محمد(صلى الله عليه وآله)
باولو في بداية التفكير
في أجواء البرازيل، هذا البلد الجميل الذي منّ الله عليه بالخيرات الكثيرة، نشأ الشاب "باولو" في وسط عائلة تهتم بالعلم والثقافة، فأبوه طبيب معروف، وأمه مدرّسة في إحدى مدارس مدينة فوز دو إيغواسو" عُرِف بأنه كثير التفكُّر والتأمل بالطبيعة، وفي ذات يوم كان يتأمل غياب قرص الشمس، فأخذ يفكر في هذه الحركة الكونية العجيبة، وكيف يتم دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها بانتظام عجيب "إن غياب الشمس وشروقها معجزة إلهية إلا أن الإنسان اعتاد على ذلك فلا يلتفت" وتعمق "باولو" في تفكيره إلى أن حلّ الظلام، فأخذ يتأمل في تلك النجوم البعيدة الساطعة، وعندها تذكر ما قرأه قبل أيام في أحد الكتب من أن هناك مجرات ضخمة تسبح في الفضاء، تضم الواحدة منها 500 مليون نجمة، وهب تدخل في مجرة أخرى مثلها تحتوي على 500 مليون نجمة أيضا ً دون أن يصطدم أي نجمة بمثلها.
ثم التفت "باولو" ليقول بينه وبين نفسه "لماذا أتعجب من هذا النظام البديع في الكون، مع أن هناك شيء أعجب منه، ألا وهو جسدي، فإن عيني التي تبلغ حجم حبة اللوز ترى كل هذه الأشياء الواسعة، وهي لا شيء أمام جهاز الإنسان الداخلي.
أتحسب انك جُرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ثم تساءل باولو: كيف يتحرك جسد الإنسان؟ وما هي حقيقة هذا الشيء الغامض الذي يسمونه ب(الروح) ؟ تذكر "باولو" جده حينما كان يحتضر وإذا به بعد قليل جثة هامدة بلا حراك، تذكر أن أباه الطبيب الماهر لم يستطع أن يبقي جده على قيد الحياة، وأنه قال بعدما توقف جده عن الحركة "إن روحه انفصلت عن جسده"، ترى أين ذهبت ؟؟ وكثرت التساؤلات في ذهن باولو الذي زاد إيمانه بوجود إله خالق لهذا الكون، منظم له بأحسن تنظيم، وخشع قلب باولو الذي أخذ ينشد شعراً يحكي عن عظمة الله، ثم رجع إلى غرفته لينام بعد هذا السهر الطويل.
باولو والصوت الحزين
وفي اليم التالي كان باولو جالسا ً مع والديه أمام التلفزيون، فأخذ يقلب المحطات الفضائية، فإذا به يسمع صوتا ً جميلا ً يصدر من إحدى المحطات إلا أنه لم يفهم منه شيئاً لأنه بلغة لا يعرفها
فسأل أبوه: ما اسم هذه اللغة التي نسمعها؟
أجاب أبوه: إنها اللغة العربية
وتأمل باولو في المشهد المصور في تلك المحطة، فشاهد رجلا ً واضعا ً كتابا ً بين يديه يقرأ فيه بصوت جميل يولد الخشوع في القلب، فسـأل باولو أباه: "هل هذا الرجل يغني أغنية حزينة ؟ أجاب والده "لا أدري" وهنا تدخلت والدته المدرسة لتقول له: "إن هذا الرجل يقرأ كتابا ً يسمى "قرآن" يعتقد الملايين من الناس بأن الله قد أوحاه إلى نبي عربي اسمه محمد.
التفت باولو ليسأل أمه: هل كان محمد قبل المسيح؟
فأجابت: كلا، جاء بعده بأكثر من خمسمائة عام
قال باولو: ما اسم الدين الذي جاء به محمد، فأجابت: الإسلام
عندها تذكر باولو أنه سمع قبل ذلك إسم هذا الدين حينما تعرف على أحد رفاقه في المدرسة وهو مسلم
سكت باولو وأخذ يقلب في محطات التلفزيون لعله يجد الفيلم الذي ينال إعجابه.
لماذا خلقنا الله ؟
وفي الليل أراد باولو أن ينام، إلا أن أفكارا ً أخذت تراوده منعته من النوم، إذ تذكر الحوار الذي دار مع والديه، فذهب إلى شرفة غرفته، وجلس على كرسيه المعتاد، وأخذ يتأمل في الطبيعة متفكرا ً، لكنه هذه المرة لا يفكر في عظمة الله فقط، بل بدأ يفكر بأن الله خالق كل شيء، لا يمكن أن يكون خلق الأشياء عن عبث وبلا فائدة، ولذا فعلى الإنسان أن يفهم الغاية التي خلقه الله لأجلها.
فما هي الغاية من خلق الإنسان؟
ظل هذا السؤال في خاطرة باولو إلى اليوم التالي، فطرحه على أستاذه في الفلسفة، فأجابه قائلا ً: إن أحد الفلاسفة طرح تحليلا ً لنشأة الإنسان يصلح أن يكون جوابا ً لهذا التساؤل وهو:" إن الطفل يسعى في بداية عمره نحو غاية يعتقد أنها أكمل الغايات وهي أن يمشي، ولكنه حينما يمشي يعلم أن هناك غاية أكمل من المشي وهي التكلم، ويتكلم الطفل ليدرك غاية أكمل من التكلم وهي أن يصبح معلماً في المدرسة مثلا ً لكنه حين يصبح كذلك يعلم أن هذا المنصب ليس أكمل الغايات، بل هناك غاية أكمل، وهكذا يسير الإنسان نحو ما يعتقده غاية الكمال ، وحينما يصل إليه يعلم أنه ليس كذلك، وفي نهاية الأمر يفهم الإنسان أن الكمال الحقيقي لا يمكن الوصول إليه، ويدرك حينئذٍ أن الكمال المطلق موجود لأنه يتعلق به ويحاول الوصول إليه، إلا أنه ليس في حدود الطبيعة بل خارج نطاقها، ويكمن هذا الكمال الحقيقي المطلق فيما نسميه ب" الله"، وحينها يعلم أن للإنسان كمال بحدوده يصح تسميته بالكمال الإنساني، وأنه يتحقق من خلال التعلق بالكمال المطلق وهو "الله"
"فكلما زاد ارتباط الإنسان وقربه من الكمال المطلق كلما ارتقى في سلم الكمال الإنساني"
الأستاذ: أحسنت يا باولو
كيف نرتبط بالله ؟
خرج باولو مع رفاقه إلى ملعب المدرسة وهو يفكر بما قاله أستاذه، ورواده سؤال جديد "وهل نعرف الله جيدا ً حتى نرتبط به ؟ وفهم باولو عندها لماذا أرسل الله أنبياءه وهم يحملون رسالات تلقوها من الله حتى يبلغوها للناس، إنها الرسالات التي تحدد كيف يرتبط الإنسان بالله لتتحقق بذلك الغاية من خلقه.
باولو والكتاب المقدس
عاد باولو إلى منزله وتوجه مباشرة نحو مكتبة والدته وتناول منها الكتاب المقدّس، وأخذ يتصفحه ليتعرَّف على عناوين موضوعاته، إنها المرة الأولى التي يهتم فيها باولو بهذا الكتاب مع أنه كان في مكتبة والدته منذ فتح عينيه على هذه الدنيا
ولاحظ باولو وهو يتصفح الكتاب المقدّس أنه مؤلف من قسمين أساسيين، يسمى الأول باسم العهد الجديد، والثاني باسم العهد القديم، ولاحظ أيضا ً أن العهد الجديد هو مجموعة أناجيل، كل إنجيل منها باسم شخص، فواحد منها يسمى إنجيل متّى، وآخر يُسمى إنجيل لوقا، وثالث إنجيل مرقس وهكذا.
رأت والدة باولو ابنها يقلب صفحات الكتاب المقدس، فجلست إلى جانبه متعجبة مما يفعل وسألته عن السبب
أجاب باولو: أريد أن أتعرف على رسالة الله، وقد وجدت أن هذا الكتاب مؤلف من جزءين، العهد الجديد والعهد القديم، فما معنى هذين العنوانين يا أمي؟
أجابت والدته: "إن العهد الجديد هو مجموعة أناجيل كتبها تلامذة المسيح والعهد القديم هو كتاب التوراة الذي أنزله الله على نبيه موسى
_ باولو: إن معنى قولك هذا يا أمي أن العهد القديم من كلام موسى، أما العهد الجديد ليس كذلك
_ أمه: نعم هذا صحيح
_ باولو: ألا يوجد رسالة من الله جاء بها المسيح؟
_ أمه: لا أدري
_ باولو: هل يعتقد اليهود بالمسيح وبالعهد الجديد كما يعتقدون بالعهد القديم؟
_ أمه: كلا، إنهم لا يعترفون بالمسيح ولا بالعهد الجديد، لأن المسيح جاء بعد النبي موسى
_ باولو: هل يعتقد المسلمون الذين حدثتيني عنهم سابقا بالمسيح والإنجيل؟
_ أمه: لا أدري
وذهبت أم باولو إلى المطبخ لكي تعد طعام الغذاء، بينما ظل باولو متأملا ً بما سمعه من أمه، وتذكر رفيقه المسلم (علي) فقرر أن يسأله هذا السؤال.
باولو ورفيقه المسلم
في اليوم التالي طلب باولو من رفيقه علي أن يسيرا معا ً في الملعب ليتحدثا في بعض الأمور، وهناك سأل باولو علياً عن إيمان المسلمين بالمسيح، وتفاجأ باولو حينما سمع عليا ً يقول: إن النبي محمد قد صدق بالأنبياء السابقين ومنهم موسى وعيسى، لكن الإسلام لا يقول: "إن المسيح هو الله أو ابن الله "بل يقول: "إنه نبي كريم كبير من أفضل أنبياء الله"، وقد شرّفه الله بمعاجز كثيرة، ورفع من شأنه ومقامه لإيمانه بالله.
وتابع علي حديثه: وقد طرح القرآن الكريم أن النبي عيسى قد بشر برسول يأتي من بعده اسمه أحمد (أي محمد)، لذا فقد آمن الكثير من العلماء المسيحيين بالإسلام حينما أرسل الله النبي محمد(صلى الله عليه وآله) ليكون خاتم الأنبياء حيث لا نبي بعده.
سأل باولو علياً: ما هي المعجزة التي قدمها محمد ليثبت نبوته؟
أجاب علي: لقد قام محمد بمعجزات عديدة، ففي إحدى المرات دعا شجرة أن تأتي إليه فانقلعت من جذورها وأقبلت نحوه، ومرة أخرى كان محمد يحمل في يده حصاة، فإذا بها تسبّح في يده والناس يسمعون تسبيحها، لكن المعجزة الأهم التي جاء بها النبي محمد هي القرآن الكريم، فنفس هذا الكتاب معجزة. قاطعه باولو قائلا ً: لماذا هذا الكتاب هو أهم من تلك المعاجز التي ذكرتها؟
-علي: لأن تلك المعاجز لا تثبت نبوة محمد على المدى البعيد، فالآن أنا قد لا أستطيع أن أثبت لك أن النبي محمد قد نادى شجرة فأتت إليه، فإنك ستقول لي: "إنها قصة تتناقلونها أنتم، وأنا لا أدري إن كانت حدثت أو لا، أم القرآن الكريم فحاله يختلف، لأننا نعتقد أن الإسلام هو الدين الإسلامي الخالد حيث لا دين بعده، ويجب على كل الناس أن يعتنقوه من دون استثناء ، لذا يجب أن تكون معجزة الإسلام خالدة بحيث تكون معجزة في كل عصر ولكل الناس، وهذا هو واقع القرآن الكريم، ففي هذا الكتاب عناصر إعجاز يؤمن بها الإنسان في أي عصر، بل كلما تقدم الزمن تبين إعجاز القرآن الكريم أكثر.
- باولو: ما هي وجوه إعجاز القرآن ؟
- علي: إذا أحببت أن تتعرف على ذلك فأنا مستعد أن أذهب معك إلى أحد علماء الإسلام الساكن في هذه المدينة.
- باولو" أفكر في هذا، وغدا ً أرد عليك الجواب.
باولو على شرفة المنزل
وحل الليل ليجلس باولو على شرفة غرفته متفكراً بما جرى بينه وبين رفيقه المسلم، لا سيما تلك الفكرة التي طرحها علي حول معجزات محمد غير القرآن، فقد قال علي إن تلك المعجزات تفقد عنصر التصديق الدائم لمن يسمع بها، فمن جاء بعد النبي بفترة زمنية متباعدة قد لا يصدق بتلك المعجزات لأنه لم يرها، وإنما يسمعها كقصة تروى، لذا لا بد أن تكون معجزة الدين الخالد خالدة بحيث تكون معجزة في كل عصر، وأخذ باولو يقيس معجزات محمد غير القرآن بمعجزات المسيح التي هي إحياء الموتى وشفاء المرضى، وصار باولو يلاحظ أنها شبيهة بمعجزات محمد غير القرآن، لأنها أيضاً لا تمتلك عنصر الدوام، بحيث لا يصدق بها من يسمع عنها.
ثم فكر باولو بأن الباحث عن الحقيقة وعن الرسالة الإلهية التي تحقق الغاية من خلق الإنسان يجب أن يبحث في آخر الرسالة، فإن صدق بها يعتنقها ويلتزم بها، وإن لم يصدق بها يرجع إلى الرسالة التي قبلها لينظر فيها هل يعتنقها أو يرجع إلى ما قبلها وهكذا.
وقد سمع باولو أن الإسلام طرح نفسه أنه آخر دين للبشرية، ورسالة الإسلام لا تنكر الأنبياء السابقين بل تعترف بهم. إذن يجب التحقيق في رسالة الإسلام، هل هي صادقة أم لا ؟
فقرر باولو أن يذهب في اليوم التالي مع رفيقه علي إلى العالم المسلم.
باولو أمام العامل المسلم
سأل باولو رفيقه المسلم علياً: أين يقع المركز الذي يتواجد فيه العالم الذي حدثتني عنه ؟
أجاب علي: يقع في شارع "jardim central- fpz dp iguacu-parana-brasil-jose marai de brito 929"
باولو: هيا بنا نذهب إلى هناك
دخل باولو مع علي إلى مكتب العالم المسلم الذي رحب بهما كثيرا ً، وأبدى ارتياحه الشديد بعدما سمع أن باولو يريد أن التعرف على عناصر الإعجاز في القرآن الكريم التي من خلالها يثبت أن الإسلام هو دين إلهي. فسأل باولو العالم المسلم قائلا ً: سيدي كيف تستطيع أن تقنعني بأن القرآن هو كلمة الله، وأن الله هو الذي أنزله على محمد ؟
وبدأ العالم الحديث مع باولو قائلا ً:
أولا ً- لا بد أن نحدد كيف يكون الشيء الذي يأتي به من يدعي النبوة معجزة لكي نصدق بنبوته.
والجواب أن المعجزة يجب أن تكون أمراً خارقاً للعادة بحيث لا يمكن أن يتحقق الأمر الذي يأتي به النبي بحسب القانون العاجي الذي يعرفه الناس، لذا يجب في المعجزة أيضاً أن يعجز الآخرون عن الإتيان بمثلها بعد أن يتحداهم النبي.
- باولو: الذي تتحدث به يا سيدي مقنع، فهل القرآن قد تحققت به هذه العناصر الثلاثة ؟
- فهل هو خارق للعادة ؟
- وهل تحدى به النبي الآخرين ؟
- وهل عجز الآخرون عن الإتيان بمثله؟
- العالم: نعم يا باولو كل هذا متحقق في القرآن الكريم.
فمحمد تحدى الآخرين أن يأتوا بمثل القرآن، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. (سورة الإسراء، آية رقم 88). بل أن الله تحداهم بأن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، قال الله تعالى في القرآن الكريم:" أم يقولون افتراه، قل فأتوا بعشر مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" (سورة هود آية رقم 13)
-باولو: ما معنى سورة يا سيدي العالم ؟
- العالم: إن القرآن مقسم إلى 114 مجموعة، كل مجموعة تحتوي على عدة فقرات، تُسمى الفقرة منها ب "آية" وتسمى المجموعة ب "سورة"، فالقرآن يحتوي على 114 سورة.
- باولو: شكراً يا سيدي، أرجو متابعة الحديث.
- العالم: ولم يكتف الله بتحدي الناس أن يأتوا بعشر سور، بل تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة، قال الله تعالى في القرآن الكريم:" أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين" (سورة يونس، آية رقم 38).
ومع كل هذا التحدي فقد عجز الناس أن يأتوا بسورة واحدة مثل سورة قرآنية، لكن الأهم من هذا هو إثبات أن القرآن قد خرق القانون العادي.
-باولو مقاطعاً: إن هذا ما انتظره بفارغ الصبر .
- العالم: إن القرآن طرح عدة أدلة تدل على أنه كلمة الله، وبها خرق القانون العادي ليكون معجزة لا يستطيع البسر أن يأتوا بمثله.
الدليل الأول: بلاغة القرآن
فالقرآن الكريم أنزله الله في وسط عربي وصل من البلاغة مبلغاً لم تبلغه أمة قبله، وكان العرب كثيراً ما يعقدون الندوات الأدبية التي يتبارون فيها بالشعر وفصيح الكلام.
وتحداهم القرآن أن يركبوا المضامين التي جاء بها بقوالب لغوية مثله، ولكنهم عجزوا عن ذلك، وقد مضت القرون الطويلة دون أن يسجل التاريخ أي محاولة ناجحة للإتيان بمثل القرآن، بل بمثل سورة واحدة من القرآن، وقد حاول كبار أدباء العرب أن يؤلفوا مثل القرآن لكنهم عجزوا عن ذلك.
-باولو: سيدي، لماذا محمد قد تحدى بالبلاغة والكلام مع أن المسيح قد تحدى الناس بإحياء الموتى وشفاء المرضى، وقد تحداهم موسى كما سمعت بالعصا التي يرميها فتتحول إلى أفعى ؟
- العالم: لقد أجاب الإمام علي الهادي وهو الإمام العشر من الأئمة الأثني عشر الذين عينهم النبي محمد أوصياء على الأمة من بعده، أجاب هذا السؤال بجواب محصله "أن المعجزة الإلهية تكون متلائمة مع العلم والفن الشائع في زمانها، ففي زمن موسى كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم موسى بمعجزة العصا، وفي زمن المسيح كانت فلسطين وسوريا مكانين معروفين لنزول الأطباء اليونانيين الذين كانوا أشهر أطباء العالم آنذاك فاشتهر الطب في ذلك العصر وراج رواجاً كبيراً، فأتاهم المسيح بمعجزة إحياء الموتى وشفاء المرضى ليتحداهم بفنهم الشائع، وفي زمن محمد غلب على أهل عصره الخطب والشعر والكلام البليغ فأتاهم النبي بمعجزة كلامية هي "القرآن".
- علي يتدخل ليقول: سيدي العالم، لقد قلت لباولو ما سمعته في أحد محاضراتكم من أن معجزة محمد كانت كلاماً، لأنها المعجزة التي تناسب خلود الدين، بينما بقية المعاجز قد لا يؤمن بها من جاء من بعدها بزمن بعيد، لأن الذي يأتي بعدها لم يرها أمامه، بينما القرآن هو معجزة في كل زمان، بحيث يدرك أي إنسان في أي زمان أنه معجزة.
- العالم: أحسنت يا علي.
- باولو: ولكن يا سيدي العالم، ألا يمكن أن يرد على ما تفضلتم به أن محمداً تعلم عند كبار العلماء فوصل إلى نبوغ كبير وفاق أهل زمانه، فاستطاع أن يصيغ هذا الكلام البليغ.
- العالم: الحقيقة يا باولو أن محمداً كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، ولم يتعلم عند أحد أصلاً، والقرآن قد نصّ على أمية محمد بقوله: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذا لارتاب المبطلون" (سورة العنكبوت، آية رقم 48).
ومن الملفت يا باولو أن آيات القرآن تختلف صياغتها تماما عن سائر كلام النبي محمد وأحاديثه، وهذا أمر واضح لكل من اطلع على ذلك، وإضافة إلى هذا الجواب أقول: إن النبي محمد تحدى كل العلماء والمفكرين والأدباء أن يأتوا بسورة من القرآن فعجزوا، فمهما بلغ الإنسان من نبوغ فإنه لا يستطيع أن يأتي بمثل هذا القرآن، فكيف به إذا كان أمياً ؟.
-باولو: لكن يا سيدي أنا إنسان برازيلي لا أفهم اللغة العربية بشكل متين كي أدرك هذا الإعجاز البلاغي في القرآن.
- العالم: أنا ملتفت إلى ذلك يا باولو ولكني أريد أن أطلعك على الجوانب المختلفة لإعجاز القرآن ولذا سأعرض عليك سائر الأدلة.
الدليل الثاني: الإخبار عن الظواهر الكونية
إن في القرآن آيات تتحدث عن ظواهر كونية وقوانين علمية اكتشفها العلم الحديث، مع أن القرآن نزل منذ حوالي 1400 سنة، وأعرض عليك يا باولو بعض تلك الآيات.
- أتدري يا باولو من اكتشف قانون الجاذبية وفي أي سنة ؟
- باولو: نعم يا سيدي اكتشفه العالم الإنكليزي نيوتن سنة 1927 وقد أثبت وجود جاذبية بين الكواكب والسيارات.
- العالم: إن القرآن الكريم تحدث عن قانون الجاذبية منذ 1400 سنة في قوله تعالى: "الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها" (سورة الرعد آية 2). فالقرآن يتحدث عن أعمدة رفعت الكواكب، لكنها أعمدة غير مريئة.
وقد ورد أن رجلا ً سأل الإمام الرضا وهو الإمام الثامن من الأئمة الإثني عشر الذين عينهم الرسول أوصياء على الأمة من بعده، قال له الرجل: أخبرني عن قول الله "رفع السماوات بغير عمد ترونها" فقال: "سبحان الله، ثمَّ عمد ولكن لا ترى".
- العالم: أتدري يا باولو أن العلماء كانوا يقولون أن الأرض مسطحة، إلا أنهم اكتشفوا في وقت متأخر أنها كروية.
- باولو: نعم يا سيدي.
- العالم: إن القرآن الكريم تحدث عن كروية الأرض في آيات عديدة فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: "رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق" ( سورة الصافات آية 5) .
وقال الله تعالى في القرآن الكريم: "فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون" (سورة المعارج، آية 40)
فهذه الآيات تدل على تعدد مطالع الشمس ومغاربها، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت كروية، فإن طلوع الشمس على أي جزء من أجزاء الأرض يلازم غروبها عن الجزء الآخر.
فالحديث القرآني عن تعدد مطالع الشمس ومغاربها دليل على أن الأرض ليست مسطحة، بل هي كروية.
- أتدري يا باولو أن العلم الحديث اكتشف أن كل ذرة من ذرات الوجود تشتمل على نواة مكونة من جسيمات تحمل شحنات كهربائية تُسمى "بروتونات" وجسيمات محايدة لا تحمل شحنات كهربائية تُسمى "نيوترونات" وتدور حولهما شحنات كهربائية سالبة ؟
- باولو: نعم يا سيدي لقد درسنا هذه المعلومات في المدرسة.
- العالم: إن القرآن الكريم أخبرنا بهذا الشيء منذ 1400 سنة فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: "ومن كل شيء خلقنا زوجين" سورة الذاريات آية 49
- اسمع يا باولو، لقد اكتشف العلم الحديث أن الجبال لها امتداد في أعماق الأرض، فكل جبل كأنه مغروز في الأرض غرزاً، لذلك يقول العلماء حديثاً، "أن الجبال تحافظ على قطعات القشرة الأرضية من التبعثر والتفرق، والله تعالى حينما يتحدث في القرآن عن الجبال يقول: "ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً" (سورة النبأ آية 6-7). والوتد في اللغة هو الذي يغرز في الأرض كالعمود الذي يوضع في وسط الخيمة مغروزاً في الأرض كي يثبتها، فالقرآن يقول أن الجبال هي أوتاد مغروزة في الأرض لتثبت القشرة الأرضية.