رسالة إلى أمّي الصديقة
أُمّي
يا أوّل قلبٍ سمعتُ لحنَ نغمته الجميلة
يا أحلى أغنيةٍ أنشدَتْها شفتاي
يا أعذبَ حبٍّ رشَفْتُهُ مع لذيذ منبعك الأبيض
يا أجملَ عين علَّمتني العشق والحنان
يا مَنْ لأجلي لم ترَ ألفَ العذاب، فقرأَته عذباً
ولم تسمعْ عويل البكاء، فظنّته طرباً
ولم تشعر بخدشة الطفولة، فأحسّتها لمسة حرير
ها أنا اليوم صرت أمّاً لابنة سميتُها باسمك الجميل الذي لا يفارقني عند كلّ شعور بأنّي أصبحت أماً.
أمّي الصّديقة
إنً عطاءك الذي تجلّى فيه عطاءُ الله والذي لم يُرد إلاّ سعادتي دفعني أن أشكرك شكراً لا يقتصر على أثير يُشنّف الأسماع، بل يَعبُرُ برسالةٍ أكتبها على جناحَي زاجلٍ يمدُّهما أمام كلّ فتاة لتقرأ فيهما تجربتي معك أيتها الأمّ الصديقة.
درس العفاف
سأعبُرُ برسالتي طفولتي الأولى لأشكرك على درسٍ في معنى الحياة علمتنيه قبيل بلوغي التاسعة من عمري.
أتذكّر أمّاه حديثك لي بأنّ قيمة الفتاة تكمن في انسانيتها التي يجب أن تقدّمها على كلّ شيء،
وأنّ سعادة الفتاة أن تشعر برضا ربّها عنها الذي يمنحها رضاً من نفسها عليها،
وأنّ حجاب الفتاة في صغرها يحصّنها من المزلاّت في حياتها كما تُحصّن الصدفة لؤلؤة البحر الثمينة.
أتذكّر ذلك الشعر الذي كنت ترددينه على مسامعي
سيري بمجدك تحت ظلّ عفاف وتلّطفي بمطارف الألطاف
مـا الدرّ وهو مجرّد عن صدفه بمقدّر كالدرّ في الأصداف
لم أفهم وقتها عمقَ كلامك، لكنّي كنت فخورة حينما التزمت عند لقاء الناس الثوبَ الذي أحبَّه الله عند لقائه في الصلاة، وكأنّ ذلك رسالةٌ من الله بأنّ الحجاب معراج كمال المرأة في مصلاّها الصغير ومجتمعها الكبير.
بعد سنوات فهمت درسك جيّداً حينما سمعتُ صديقتَك تحدّثك بألم عن ابنتها التي ابتعدَتْ عن الله تعالى في مسار حياتها بدءاً من الشكل الذي قارب التبرّج، وصولاً إلى المضمون من ناحية الفراغ الداخلي والشعور بالعبثيّة التي تحرف الإنسان عن هدفه في الحياة.
أتذكّر وقتها عتابك لها؛ لأنّها أهملت توجيه ابنتها في بداية تكليفها مبرّرة ذلك بأنّها ما زالت صغيرة.
كم كنت حكيمة، يا أمّي، حينما كنت تقولين لها: إنّ الأفضل للفتاة أن ترتدي الحجاب قبل أن تلتفت إلى جاذبيّة أنوثتها.
ذكريات وعبر
أتذكّرُك، يا أمّي، في مواقف كان لها الأثرُ الجميل في حياتي.
1- أتذكّرُ يوم رسبتُ أنا وابنة خالتي في امتحان الفيزياء، فإذا بك تجلسينني على كرسيّ حنانك وحكمتك في محاورة اكتشفتِ فيها سرَّ الرسوب، وعرّفتني عاقبته، ونصحتني كي لا أكرِّر ذلك، لقد أثّر كلامك فيَّ كثيراً، لكنّ أمراً آخر كان هو المؤثِّر الأشدّ في نفسي ألا وهو تلك الدموع التي انهمرت من عينيك الحنونتين حينما اطّلعتِ على ورقة الامتحان.
لقد أخبرتني ابنة خالتي أنَّ أُمَّها كان لها موقف آخر، إذ صرخَتْ عليها، وهمّت بضربها، إلاّ أن ألم جسدها لم يستطع إنجاحها في امتحاننا التالي، لكنّ دموعك كانت في ذلك الامتحان حبر تفوُّقي.
2- أتذكّر قصّة حوارك مع ابنة أخيك التي أخبرتْك أنّ شابّاً رآها في الشارع، فأمطرها بعبائر الغزل، وأخذ يرسل إليها رسائل العشق فانجذَبَتْ إليه، مع أنّ سُمعَتَهُ كانت سيّئة لدى الناس. فنجحتِ في إقناعها بعدم الاستجابة له بعدما قلتِ لها: يا ابنة أخي، إنّك تشاهدين كثيراً أفلام ومسلسلات الحبّ، وتسمعين منها كلمات العشق والغزل، وقد رسمْتِ لنفسك فارس أحلام ينثر عليك من قصائده الجميلة أعذب كلمات الحبّ، لذا حينما وقعتْ كلمات ذلك الشاب في أذنيك انجذب قلبك له، ولكنه في الحقيقة ليس انجذاباً لذلك الشاب، بل هو انشداد لصورة الفارس الذي رسمْتهُ مخيّلتك، فخِلتِه هو. كلا يا عزيزتي، إنّ المفوَّه بذلك الشعر، الحافظ لتلك الكلمات إن لم يؤمن قلبه بالحقّ، ويحمل قيم الصلاح فسرعان ما سيتغيّر، فتتغيّر صورته، وحينها تكون الصدمة والندامة.
3- أتذكّر قبيل زفافي نصائحك التي كانت سرَّ نجاح حياتي الزوجيّة:
- ليكن همُّك بعد رضا ربِّك إسعاد زوجك، فإنْ رأ ذلك منك فسيعمل على إسعادك.
- تجنَّبي أن تكوني زوجة ثقيلة في حياته فخير النساء أخفهنّ على الزوج.
- احرصي أن تكوني خير مدبِّرة لأمور المنزل والمعاش، فإنّ التدبير نصف المعيشة.
- اعملي أن تكوني جزءًا من عائلة زوجك، ليشعر أبواه أنّكِ ابنتهما لا كنّةً لهما.
- لتكن قاعدتك في الحياة الزوجيّة كلمتين: الزواج مكيال ثلثه فطنة وثلثاه تغافل.
شكراً لك أمّي يا أغلى صديقة