الإمام الخميني (قدس سره) والمعتقدات الثلاثة
في ذكرى انتصار الثورة أشير إلى ما طرحه وريث مفجِّر الثورة سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) من أنّ الإمام (قدس سره) كان يؤمن بأمور ثلاثة إن وجدت لها مكانًا في قلوبنا فإنّها ستنير درب سيرتنا:
الأمر الأوّل: الإيمان بالله وكونه المعتَمد في المسيرة
وهذا ما يترجم بـ :
1- إنّ المطلوب من الناس أن ينصروا الله تعالى بتأدية تكاليفهم المطلوبة إلهيّاً منهم، وهم ليسوا مطالبين بتحقيق النتائج، على قاعدة ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ﴾[1]لا إن تنتصروا...
كان قدّس سرّه يقول: "كلّنا مأمورون بأداء التكليف والواجب، ولسنا مأمورين بتحقيق النتائج".
2- عدم الخوف من غير الله طالما أنّ الناس يؤدّون تكاليفهم الإلهيّة. قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[2].
كان قدّس سرّه يقول: يجب أن لا نخاف من الحرب والإرعاب أبداً، لماذا نخاف؟! نحن مكلَّفون، ونعمل بتكليفنا، ونحن محقّون، وعندما نكون محقّين لماذا نخاف؟!
3- الإيمان بالمدد الإلهيّ، والاهتمام بالمعنويات والتوجّه نحو الغيب، كان قدس سرّه يقول: "ألم يحن الوقت للذين لم يهتموا بالمعنويات ولم يؤمنوا بالغيب أن يستيقظوا من غفلتهم".
4- أن يُرى الله تعالى مُوجداً ومحرّكاً للكمالات المتحقّقة من خلال حركة الناس العاملين بالتكليف غير الخائفين من سوى الله، المؤمنين بالمدد الإلهيّ، لذا كان "قده" حينما ترتفع أصوات التكبير في سماء الثورة يقول: "هذه الأصوات المرتفعة التي تسمعونها هي صوت الله، إنّها قدرة الله، هذه الانتفاضة تحقّقت بقوّة الله".
وكان (قدس سره) يقول: "ألم يكن انتصار هذا الشعب هو الرعب الذي ألقاه الله في قلوب هؤلاء الطغاة".
الأمر الثاني: هو الإيمان بدور الشعب
عام 1963: في قم في المدرسة الفيضيّة قال (قدس سره) للشاه: "إن فعلت كذا وأكملت على هذا المنوال: فسأطلب من الشعب الإيرانيّ أن يطردك من إيران؟
الإمام الخامنئيّ يقول: الذي قال هذا الكلام: رجل دين، يعيش في قم لا يملك السلاح ولا العتاد ولا المال ولا الدعم الدولي.
وقد وجه الشاه إليه ذات مرة بمن ستحاربني: فأجاب سأحاربك بالذين يلعبون في أزقّة الشوارع.
وهنا نشير إلى أمر أساسيّ في شخصيّة الإمام (قدس سره) أنّه لم يكن مواكبًا ومستفيدًا فقط من حركة الناس، بل كان صانعًا لحركتهم وكان يؤمن بدورهم في صناعة التغيير، فالنظرة إلى الناس في دورهم في التغيير فيه نظريتان:
1- نظريّة تعتمد على النخبة وتتجاهل الناس.
2- نظريّة تؤمن بدور الشعب في تحقيق التحوّل.
إضافة إلى ذلك فإنّ الإمام كان يؤمن بضرورة تأمين المقبوليّة من الناس لاستمرار الحكم الإلهيّ. لهذا انتهج الإمام في ولاية الفقيه منهجين: الأوّل: العرض التشريعي الثاني: الإصرار على قبول الناس بها، لذا أصرّ على الاستفتاء على ولاية الفقيه من قبل الشعب.
الأمر الثالث: الثقة بالنفس
في الطائرة حينما رفضت الدول أن تستقبله قال الإمام الخمينيّ: "لو بقي الخمينيّ في الطائرة لحارب الشاه وهو عليها".
فالإمام (قدس سره) في اليوم الأوّل الذي عاد فيه من منفاه هدّد حكومة بختيار في خطابه في جنة الزهراء قائلاً: "سأصفع الشاه وهو فيها...حكومة بختيار وأنا سأعيِّن الحكومة".
فمن أساليب الأعداء المؤثِّرة في السيطرة على الشعوب هو تلقينهم مبدأ "نحن غير قادرين" لكي تيأس الشعوب بهذه الخدعة. الإمام الخمينيّ (قدس سره) قال للشعب الإيرانيّ: إنّكم قادرون.
وإنّ سرّ تقدّم إيران الإسلام في هذه الأيام هو ثقة الشعب بنفسه، في أواخر التسعينات نزل سماحة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) يخاطب شباب الجامعة بأنّهم سيصلون إلى النتائج المتوخاة في تخصيب اليورانيوم وأنّهم قادرون على غزو الفضاء، وكان البعض ينظر إلى ذلك نظرة المستهجن بل أكثر من ذلك، ولكن ما زرعه وريث الإمام بعدما زرعه الإمام (قدس سره) حقّق النتائج.
والثقة بالنفس التي زرعها الإمام الخمينيّ (قدس سره) هي التي صنعت المقاومة الإسلاميّة في لبنان، وقد كانت في بدايتها في حالة ضعف كبير على مستوى العدد والعتاد، حتى أنّ بعض العلماء كان يشكّك في شرعيّتها، لكن أنظر إلى ما صنعته هذه الثقة بالنفس بالاعتماد على الله، وبالإيمان بالشعب.
[1]سورة محمد، الآية 7.
[2]سورة آل عمران، الآية 173.