كريمة آل محمد (صلى الله عليه وآله) فاطمة المعصومة (عليها السلام)

كريمة آل محمد (صلى الله عليه وآله) فاطمة المعصومة (عليها السلام)

فاطمة بنت الإمام موس الكاظم (عليهما السلام) شابة لم تبلغ العشرين من العمر فقد ولدت عام 179هـ، وتوفيت وهي في سن الثانية والعشرين وقيل ولدت عام 183 هـ، توجّهت عام 201هـ نحو بلاد خراسان بعد إجبار أخيها الإمام الرضا (عليه السلام) بولاية العهد تريد اللحاق به، لكنّها حينما وصلت إلى منطقة "ساوة" مرضت وهناك، وبشكل لافت، سألت عن بلدة "قم" فقيل لها: إنّها على بعد عشرة فراسخ، فطلبت ممن معها نقلها إلى "قم"، فنقلت إليها حيث اشتدّ مرضها وتوفيت فيها.

قد تبدو هذه القصّة عابرة في التاريخ لا تستوجب ما يُتوقّف عنده، إلاّ أنّ ما لا بد من الوقوف عنده أمران:
الأول: ما ورد في مقام هذه الفتاة الصغيرة، التي اشتهرت بالمعصومة. مع أنّها ليست ضمن من أخبرنا في النصوص الدينيّة عن عصمتهم.
الثاني: يتعلّق ببلدة "قم" التي دفنت فيها فاطمة (عليها السلام).

وهذان الأمران يظهران من الروايات الآتية:

1-ما ورد عن الصادق (عليه السلام): "إنّ لله حرماً وهو "مكّة"، وإنّ للرسول حرماً وهو "المدينة"، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو " الكوفة"، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة "قم" وستُدفن فيها امرأة هي من أولادي تسمى، فاطمة فمن زارها وجبت له الجنّة."

2- ما ورد عنه (عليه السلام) "تقبض في "قم" امرأة من ولدي، اسمها فاطمة بنت موس، وتُدخِلُ بشفاعتها شيعتي بأجمعهم."

3-عن الإمام الرضا (عليه السلام): "يا سعد، عندكم لنا قبر، قلت: جُعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى (عليه السلام)، قال (عليه السلام): نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة، فإذا أتيت القبر، فقم عند رأسها مستقبل القبلة وكبِّر أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبِّح ثلاثاً وثلاثين، واحمد الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، ثم قل: السلام على آدم صفوة الله..."

4- عن الإمام الجواد (عليه السلام): "من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة."

فما هو سرّ فاطمة المعصومة (عليها السلام)؟
وما هو سرُّ "قم"؟


سرُّ المعصومة (عليها السلام)
من المقطوع به أنّ للسيدة فاطمة بنت موسى (عليهما السلام) مقاماً عظيماً عند الله، نفهمه من خلال الروايات الواردة حولها، إلاّ أنّ سيرتها التي استدعت ذلك المقام التي لم تصل إلينا بشكل المطلوب.

نعم، ورد في الروايات ما يدل على دورها كمحدِّثة ورواية أثبت لها أصحاب السنن والآثار روايات صحيحة عند الفريقين، من قبيل الآتي:

1-روى الحافظ شمس الدين الشافعي بسنده عن فاطمة بنت علي بن موسى الرضا، عن فاطمة بنت موس بن جعفر، عن فاطمة بنت جعفر الصادق، عن فاطمة بنت محمد الباقر، عن فاطمة بنت علي بن الحسين زين العابدين، عن فاطمة بنت الحسين بن علي، عن أم كلثوم بنت فاطمة، عن فاطمة بنت رسول الله قالت: أنسيتم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خمّ: "من كنت مولاه فعليٌ مولاه"، وقوله: أنت منّي بمنزلة هارون بن موسى (عليه السلام)".

2-ما رواه الحافظ شمس الدين الشافعي -أيضاً- بسنده عن فاطمة بنت علي بن موس الرضا عن فاطمة المعصومة عن فاطمة بنت الصادق عن فاطمة بنت الباقر عن فاطمة بنت السجاد عن فاطمة بنت الحسين عن أم كلثوم ابنة فاطمة عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لما أُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة، فإذا أنا بقصر من درّة بيضاء مجوّفة، وعليها باب مكلَّل بالدرّ والياقوت، وعلى الباب ستر، فرفعت رأسي، وإذا مكتوب على الباب (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي القوم)، وإذا مكتوب على الستر : بخٍ بخٍ! من مثلُ شيعة علي."

إذاً كانت فاطمة بنت الكاظم (عليهما السلام) محدِّثة، إلاّ أن الصفة المشهور لها ليست المحدّثة، بل المعصومة، وهذا ما يشير إلى خصائصها الروحيّة، وعلاقتها بالله سبحانه وتعالى، وفي هذا دلالة على أنّ المقام العظيم للإنسان عند ربّه لا يحتاج إلى سنين طويلة، وعمر مديد، بل قد يحصل، ولو كان الإنسان في ريعان الشباب.

سرُّ قم
أمّا "قم" فيبدو أنّ هناك تخطيطاً لدى أهل البيت (عليهم السلام) لإنشائها، فقد ورد الإمام الصادق (عليه السلام) هو الذي أرسل إلى تلك المنطقة بعض الرجال الأشعريّة من الشيعة حيث بنوا هناك بلدة "قم".

كما أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) تحدّث عن مستقبل باهر لــ "قم" على المستوى العلمي والجهادي.

أ‌- المستقبل العلمي لــ قم: ورد عن الامام (عليه السلام) أنّه قال: "ستخلو كوفة من المؤمنين ويأزر عنها العلم، كما تأزر الحيّة في حجرها، ثمّ يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدناً للعلم والفضل، حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتّى المخدِّرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا (عليه السلام)، فيجعل الله "قم" وأهله قائمين مقام الحجّة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبقَ قي الأرض حجّة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب."

إنّ هذه الرواية لافتة، فــ "قم" في عصر الغيبة الصغرى وابتداء الكبرى كانت مليئة بالعلماء، حتّى ورد أنّها كانت تضمّ في ذلك الوقت أكثر من مئتي ألف راوي حديث، إلاّ أنّه في ذلك الوقت لم تكن النجف تابعة للكوفة قد احتضنت الحوزة العلمية، فالذي أسس حوزة النجف هو الشيخ الطوسيّ، في القرن الخامس الهجري، وعليه فإنّ الرواية السابقة لا تتحدّث عن المرحلة العلميّة القميّة القديمة، بل تتحدّث عن مرحلة تتلو انتشار العلم من فحاضرة النجف الأشرف، إذ تقول:" ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم .. ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها "قم"...

ب‌- المستقبل الجهادي لــ قم: ويبدو من الروايات أن "قم" لا ينحصر في المجال العلمي، بل يشمل المجال الجهادي المتعلّق بالإمام المهدي (عج). وهذا ما يظهر من الروايات الآتية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام):

1"- "إنّما سمّي قم؛ لأنّ أهله يجتمعون مع قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله): ويقومون معه، ويستقيمون عليه، وينصرونه."

2"- "تربة قم المقدّسة، وأهلها منّا ونحن منهم، أما إنّهم أنصار قائمنا ودعاة حقّنا."

3"- ورد أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) تلا قوله تعالى: "بعثنا عليكم عباداً لما أولي بأس شديد"، فقيل: جعلنا فداك، من هؤلاء؟ فقال (عليه السلام):هم والله أهل قم، هم والله أهل قم، هم والله أهل قم."

4"- "يخرج رجل من قم يدعو لآل محمد كما دعت قريش لمحمد."

وفي القرن العشرين خرج رجل من قم يدعو لآل محمد (صلى الله عليه وآله) هو روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) الذي دعا الأمة إلى الوحدة تحت راية الإسلام المحمديّ الأصيل، وإلى مواجهة عدوّها الإستراتيجي الأساس، وهو أمريكا فقال: "فليعلم العالم بأنّ جميع مشاكلنا تنبع من أمريكا، جميع مشاكلنا تنبع من إسرائيل، إسرائيل هي الأخرى جزء من أمريكا".

إنّها البوصلة التي أراد الإمام الخميني (قدس سره) أن تكون معيار الخيار الصحيح لتوجّه الأمة ومسارها؛ بما يؤهّلها للتمهيد الفعلي لقيام دولة الحق الإلهي بقيادة الإمام المهدي (عج).