حجر بن عدي الكندي (رضوان الله عليه)
قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾1.
أمام الحادثة المريعة التي تناقلتها وسائل الإعلام عن هدم مرقد الصحابيّ الجليل حجر بن عَديّ ونبش قبره الشريف، فإنّ من المناسب التعريف بهذه الشخصيّة العظيمة لمعرفة خطورة ما حدث وما يترتَّب عليه.
حجر بن عدي
هو من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي عرف واشتهر بجملة من المواصفات منها:
1- العبادة
ذكر الحاكم النيسابوريّ في المستدرك أنّ حجرًا كان يُسمى بـ راهب أصحاب محمّد2.
وقد ذكر العلاّمة الحلّي أنّ حُجرًا كان من الأبدال والبدل هو الذي لا يميته الله تعالى إلاّ بعد أن يوجد في الأرض من هو مثله مكانةً عند الله تعالى.
وذكر صاحب الاستيعاب أنَّ حُجرًا عرف بأنّه كان مستجاب الدعاء3.
ولحبِّه للعبادة والصلاة كان طلبه قبيل شهادته أن يصلّي لله فقد ورد أنّه قال لقاتليه: "دعوني أصلّي ركعتين؛ فإنّي والله ما توضأت قط إلاّ صليت، قالوا له: صلِّ، فصلّى، ثمّ قال: والله ما صلّيت صلاة أقصر منها، ولولا يرون أنَّ ما بي جزع من الموت لأطلتُ فيها، ولأحببت أن أستكثر منها".
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كان حجر من أمراء جيش الإمام علي (عليه السلام) يقود معه حروب الأمر المعروف والنهي عن المنكر، وعُرف أنّه كان لا يطيق منكراًَ رآه، ومن مواقفه أن قذف ابن زياد بالحجارة لأنّه أطال الخطبة وأخَّر الصلاة عن وقتها في المسجد، وأنّه واجه أولئك الذين يسبّون الإمام عليًّا على المنابر.
3- الحبُّ والولاء للإمام علي (عليه السلام)
من أبرز ما تميَّز به حُجر هو حبُّه وولاؤه للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) النابع من معرفته بمكانة أمير المؤمنين (عليه السلام) عند الله تعالى ورسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي كان يقف على شاطئ الفرات يخطب قائلاً: أشهد أنّي سمعت شرحبيل بن مرّة يزعم أنّه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أبشر يا عليّ، حياتك وموتك معي4. لذا كان حُجر في وسط المعركة ينشد أبيات العشق لأمير المؤمنين قائلاً:
يا ربَّنا سـلِّم لنا عليًّا سـلِّم لـنا المبارك المضيا
المؤمن المـوحِّد التقيا لا خـطل الرأي ولا غويّا
بل هاديًا موفّقًا مهديّا واحفظه ربّي واحفظ النبيّا
فيه فقد كان له وليّا ثمّ ارتـضاه بـعده وصيّا5
وحينما وقف أمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قبيل شهادته أنشد قائلاً أمامه:
فيا أسفي على المولى التقيِّ أبي الأطهار حيدرةِ الزكي
قتـله كافر حـنث زنيم لعين فاسـق نغـل شقي
فيلعن ربّنا من حاد عنكم ويبـرأ منكم لـعنًا وبيّ
لأنكم بيوم الحشر ذخري وأنتم عتـرة الهادي النبيّ
فلمّا بصر به الإمام عليّ (عليه السلام) وسمع شعره قال له: كيف بك إذا دعيت إلى البراءة منّي، فما عساك أن تقول؟ فقال: والله يا أمير المؤمنين لو قطّعت بالسيف إربًا إربًا، وأضرم لي النار، وألقيتُ فيها لآثرتُ ذلك على البراءة منك، فقال (عليه السلام) وفقت لكلّ خير يا حُجر6.
إنّ هذا العشق للإمام عليّ (عليه السلام) والتولّي له، والبراءة من أعدائه أعداء الحقّ جعل معاوية يتربّصه ليقضي عليه، وذات مرَّة أمر رجاله أن يأتوا بحُجر إليه، فجاؤوا به، وخاطبه أمام جمع من الأموييّن: "يا ابن الأدبر القبيح المنظر أنت القاطع منّا الأسباب، والملتمس بحربنا الثواب، والمساعد علينا أبا تراب؟"
فقال حُجر: "صه يا معاوية، لا تذكر رجلاً كان لله خائفًا، ولِما يُسخطه عائفًا، وبما يرضى الله عارفًا، خميص الضلوع، طويلَ الركوع، كثيرَ السجود، ظاهرَ الخشوع، قليلَ الهجوع، قائمًا بالحدود، طاهرَ السريرة، محمودَ السيرة، نافذَ البصيرة، مَلَكَ أمرنا فكان كبعضنا، لم يبطل حقًا، ولم يظلم أحدًا... أمّا توبيخك إياي فيما كان من نفسي، فاعلم يا معاوية أنّي غير معتذر إليك ممّا فعلت، ولا مكترث ممّا صنعت، فأعلن بسرّك، وأظهر أمرك"7.
ويريدون من قولهم صلعاء أي نسبة إلى الأصلع بحسب ما كانوا يقولون لأمير المؤمنين(عليه السلام).
لقد كان هذا الموقف الولائيّ المتبرّئ من أعداء الله تعالى هو الدافع لمعاوية لقتله، لكنّ هذا الأمر بحاجة إلى فتوى صاغتها أيدي البغض للحقّ: "كفر بالله كفرةً صلعاء"8.
شهادة حُجر
أدخل حجر وأصحابه إلى مرج عذراء الذي كان هو على رأس فاتحيه وعرض عليه أحد أمرين لا بدَّ من أحدهما: الأوّل: التبرّؤ من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والثاني: القتل فاختاروا القتل.
وسجَّل حُجر موقفًا شديد الولاء قبيل شهادته إذ قال لمن أراد قتله: "إن كنتَ أُمرت بقتل ولدي فقدِّمه، فقدَّمه فضرب عنقه، فقيل: تعجَّلت الثَّكل. فقال: خفت أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية عليّ عليه السلام، فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله الصابرين.
تداعيات شهادة حُجر
كان لقتل حُجر تأثير كبير في المجتمع الإسلاميّ، وهذا ما يتّضح من خلال الروايات الآتية:
1- كتب الإمام الحسين (عليه السلام) لمعاوية: "ألست قاتل حُجر بن عديّ، أخي كندة وأصحابِه الصالحين المطيعين العابدين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون المنكر والبدع، ويؤثرون حكم الكتاب، ولا يخافون في الله لومة لائم، فقتلتهم ظلمًا وعدوانًا9.
2- دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذرا، حُجرٍ وأصحابه، فقال: يا أمّ المؤمنين، إنّي رأيت قتلهم صلاحًا للأمّة وبقاءهم فسادًا للأمّة فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال: "سيقتل بعذرا أناس يغضب الله لهم وأهل السماء".
3- ذكر الحسن البصريّ أنّ أحد التابعين وقد وصفه بقوله: ما رأيت رجلاً أفضل منه أنّه "صلّى الظهر جماعةً ثمّ خطب: أمّا بعد فقد حدث في الإسلام حدث لم يكن مذ قبض رسول الله، وذلك أنّ معاوية قتل حُجر بن عديّ وأصحابه من المسلمين صبرًا فإن يك عند الناس تغيير، وإلاّ فإنّي أسأل الله أن يقبضني إليه، قال الحسن: فوالله ما صليت العصر في ذلك اليوم حتى مات رحمة الله عليه.
4- حُكي أنّ الربيع بن زياد الحارثي كان واليًا على خراسان لمّا سمع بمقتل حُجر وأصحابه رفع يديه إلى الله وقال: اللهمّ إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلاً. فمات بعده10.
لقد استطاع حُجر أن يُقلق معاوية في حياته في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وأن يقلقه قبل شهادته حينما قال لمن حضر مقتله: "لا تطلقوا منيّ حديدًا، ولا تغسلوا عنّي دمًا؛ فإنّي لاقٍ معاوية غدًا على الجادّة.
واستطاع حُجرٌ أن يقلق معاوية بعد شهادته، فقد ورد أنّ معاوية قال لمّا حضرته الوفاة وهو يغرغر بالصوت ليلي منك يا حُجر طويل"11.
نقول لأولئك الذي هدَّموا مرقد حُجر، ونبشوا قبره:
ليلكم من حُجر طويل
ليلكم من المؤمنين المحبِّين لحُجرٍ طويل.
إنَّ هذا الحادث هو برسم العالم الإسلاميّ كلّه ليقف أمام هؤلاء التكفيريين الذين لا يراعون حرمة لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويوقدون النار لقلي الفتنة المذهبيّة.
لقد استاء البعض من كلام سيّد المقاومة حينما تحدّث عن حماية أهل منطقة السيّدة زينب لمقامها الشريف؟ أين هؤلاء ممّا حصل مع مقام حُجر بن عديّ، من يحميه؟ هل يريدون للمسلمين المحبّين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الموالين لأمير المؤمنين (عليه السلام)، أصحاب الغيرة على ابنته زينب أن يتركوا المقام الطاهر بين أيدي هؤلاء التكفيريين، كلا وحاشا لمن تربّى في مجالس الحسين أن يتخلّى عن أخته زينب.
كلا وحاشا لهؤلاء أن لا يدافعوا عن حرم رسول الله من الفتنة والتمزُّق.
على المسلمين جميعًا من أهل السُنَّة والشيعة أن يقفوا صفًا واحدًا مع هذا الصحابيّ الجليل ليقولوا لأولئك المجرمين المشوِّهين لصورة الإسلام لن نسمح لفكركم التكفيريّ أن يسود، سيبقى الإسلام دين الاعتدال، دين المحبّة، دين الإخاء، دين الوحدة. ولو كلَّف ذلك ما كلَّف من التضحيات.
1 سورة الأحزاب، الآية 23.
2 الأمينيّ، الغدير، ج10، ص358.
3 المصدر السابق، ج11، ص53.
4 ترجمة الإمام علي، من تاريخ دمشق، ج2، ص436.
5 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج38، ص22.
6 المصدر السابق نفسه.
7 الهمدانيّ، احمد، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ص60.
8 العسكريّ، مرتضى، عبد الله، ج2، ص268.
9 الطوسيّ، محمّد، الاحتجاج، ج2، ص20.
10 شجرة طوبى، ج1، ص89.
11 النوريّ، مستدرك الوسائل، ج2، ص485.