
الإعجاز في القرآن الكريم
تمهيد:
القرآن منبع ديننا، وأصل إيماننا، وأساس فكرنا وثقافتنا، فالجدير بنا أن ندرسه لكي نستفيد منه. فقد ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله):
الإعجاز في القرآن الكريم
تمهيد:
القرآن منبع ديننا، وأصل إيماننا، وأساس فكرنا وثقافتنا، فالجدير بنا أن ندرسه لكي نستفيد منه. فقد ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله): "إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان من الميزان"
ودراسة القرآن الكريم- كنصّ- لا بد أن تكون من ناحيتين كغيره من النصوص:
الناحية الأولى: من حيث السند والانتساب، أي البحث عمن ينتسب إليه النص.
الناحية الثانية: من حيث الدلالة، أي البحث عمَّا يحتويه النص من مضامين. وفي هذه المحاضرة نُرَكِّزْ البحث على الناحية الأولى.
الأدلة على أن القرآن كلمة الله
لا أحد يشك في أن القرآن الكريم قد أتى به شخص عربي اسمه محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله) لكن ما يمكن أن يقع فيه النقاش بين المسلمين وغيرهم هو انتساب القرآن إلى الله تعالى.
فما هي الأدلة عند المسلمين على كون القرآن كلمة الله؟.
والجواب العام على هذا التساؤل هو أن القرآن طرح نفسه دليلا ً على أنه من عند الله تعالى، فهو المعجزة التي من خلالها تثبت نبوة محمد(صلى الله عليه وآله).
لكن كيف نثبت إعجاز القرآن الكريم؟
عناصر المعجزة:
لا بد أن نتعرف أولا ً على العناصر التي لا بد للمعجزة أن تحتويها وهي أربعة:
1- أن تكون أمرا ً خارقا ً للعادة.
2- أن يتحدى صاحبها الآخرين بالإتيان بمثلها.
3- أن يعجز الآخرون عن مقابلتها.
4- أن تطابق المعجزة الدعوى التي يدعيها صاحبها.
وقد تحقق في القرآن العنصر الثاني فهو قد أعلن بصراحة أن أحدا ً من الإنس والجن لا يتمكن من الإتيان بمثله. بل لا يتمكن من الإتيان بعشر سور مثله بل حتى سورة واحدة لا تتعدى السطر الواحد.
ففي سورة الإسراء (آية 88) ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ً﴾
وفي سورة هود (آية13) ﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾
وفي سورة يونس (آية 38) ﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بسور مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾
إذا ً العنصر الثاني تحقق في القرآن يشكل واضح.
وكذلك العنصر الثالث، فقد عجز الآخرون عن مقابلة هذه المعجزة كما سيأتي بعض الحديث عن ذلك بإذنه تعالى.
وكذلك فإن العنصر الرابع تحقق في القرآن فهو مطابق للدعوى التي أدَّاها محمد(صلى الله عليه وآله). والمهم هو العنصر الأول فما هي الأدلة على أن القرآن خارق للعادة.
وهنا نأتي إلى الجواب التفصيلي على التساؤل الأساس وهو:
هل القرآن كلمة الله ؟
فإليك بعض الأدلة على ذلك.
الدليل الأول: بلاغة القرآن
تحدَّى النبي محمد(صلى الله عليه وآله) كل الناس بل والجن ببلاغة القرآن الكريم، وكان ذلك في وسط عربي وصل من البلاغة مبلغا ً لم تبلغه أمة قبله ولا بعده.
وقد مضى من القرون والأحقاب ما يبلغ أربعة عشر قرنا ً ولم يأت أحد بما يناظره ويعارضه إلا أخزى نفسه. وقد حاول بعض الأدباء العرب بعد فترة طويلة من نزول القرآن أن يعارضوه وهؤلاء هم ابن أبي العوجاء وابن المقفَّع وابن شاكر الديصاني وعبد الملك المصري وقد بذل هؤلاء كل قدراتهم وجهودهم خلال عام كامل في هذا المجال ولكنهم لم ينجحوا في محاولتهم هذه. وينقل لنا التاريخ أنهم اجتمعوا بعد ذلك العام في المسجد الحرام ليتدارسوا أعمالهم وجهودهم فمرًّ عليهم الإمام الصادق(عليه السلام) وتلا الآية: ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ً﴾ الإسراء (آية 88)
وقد سجل لنا التاريخ بعض المهاترات في هذا المجال مثل معارضة مسيلمة الكذاب لسورة الفيل بقوله ( الفيل ما الفيل وما أدراك الفيل له ذنبٌ وبيل وخرطوم طويل)
سؤال:
لماذا كان التحدي من النبي محمد(صلى الله عليه وآله) بالكلام مع أن معجزة موسى (عليه السلام) كانت العصا واليد البيضاء ومعجزة عيسى(عليه السلام) كانت إحياء الموتى وشفاء المرضى؟
الجواب:
أولا ً لا بد من التنبيه أن القرآن هو المعجزة الأساسية لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وليس المعجزة الوحيدة لأن التاريخ أثبت لنا عدة معاجز غير القرآن فعلها النبي (صلى الله عليه وآله) فبعد هذه الملاحظة نجيب على التساؤل السابق بجوابين:
الأول: وهو جواب الإمام الهادي(عليه السلام) وخلاصته أن المعجزة الإلهية تكون متلائمة مع العلم والفن الشائع في زمانها ففي زمان موسى (عليه السلام) كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم بمعجزة الأفعى ليبطل سحرهم، وفي زمن عيسى(عليه السلام) ظهرت الأمراض وكان الطب متطورا ً لأن فلسطين وسوريا كانتا في عصر المسيح مستعمرتين لليونان وفيهما نزلاء كثيرون منهم فأتاهم عيسى(عليه السلام) بمعجزة إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بينما في الزمن النبي الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله) غلب أهل عصره الخطب والكلام البليغ فأتاهم النبي بمعجزة القرآن.
الثاني إن هناك فرقا ً بين رسالة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وباقي رسالات الأنبياء، وذلك لأن شريعتهم كانت محدودة زمانا ً ومكانا ً أو زمانا ً، أما رسالة النبي(صلى الله عليه وآله) فهي خالدة وعامة، وهذا ما يناسبه كون المعجزة خالدة وثابتة عبر القرون. من هنا كانت معجزة خاتم الأنبياء هي القرآن الكريم.
الدليل الثاني: التحدي بمن أنزل عليه القرآن. (أي التحدي بأمية النبي)
قال تعالى: ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله﴾ البقرة آية 23. ومن المحتمل جدا ً كون الهاء في "مثله" راجعة إلى قوله "عبدنا" فتكون الآية مشيرة إلى هذا الدليل. فالذي جاء بالقرآن كان قبل البعثة أميا ً ولم يتعلم عند معلم قط وقد نص القرآن الكريم على أمية النبي قبل البعثة بقوله ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخط بيمينك، إذا لارتاب المبطلون﴾ العنكبوت (آية 48).
ومن الملفت أن آيات القرآن يختلف سبكها تماما ً عن سائر كلامه وأحاديثه وهذا أمر واضح ومشهور.
اعتراض أول:وقد اعترض على هذا الدليل بأن محمدا ً(صلى الله عليه وآله) سافر إلى الشام للتجارة فتعلم هذه القصص من الرهبان هناك.
والجواب: أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد سافر قبل بلوغه مع عمه أبي طالب، وفي شبابه مع ميسرة مولى خديجة، وكان معه من يلازمه ليلا ً نهارا ًهذا أولا ً.
وثانيا ً لو فُرِضَ أنه قد أخذ عنهم القصص والحكم، لكن من أين له هذه البلاغة التي كلّت دونها الألسن.
اعتراض ثان: واعترض على هذا الدليل المتقدم ثانيا ً بأن محمدا ً كان يأخذ هذه المعلومات من قين بمكة من أهل الروم كان يعمل السيوف ويبيعها.
والجواب: قد جاء في القرآن الكريم ردا ً على هذا الاعتراض فقال تعالى : ﴿ولقد نعلم أنهم يقولون أنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين﴾. النحل (آية 103)
الدليل الثالث: التحدي بعدم الاختلاف في القرآن
إن القرآن الكريم أنزل خلال 23 سنة قِطَعا ً قطعا ً في أحوال مختلفة وأمكنة مختلفة ليلا ً ونهارا ً حضرا ً وسفرا ً حربا ً وسلما ً...الخ. وطبيعة الإنسان تقتضي أن معلوماته وخبراته تنمو وتزداد مع الزمن فيؤثر ذلك على حديثه وكلامه كما أن حوادث الزمن المختلفة تؤدي إلى مشاعر مختلفة فتؤثر في مشاعر الإنسان وأفعاله وأقواله، لكن كل هذا لم يكن له أي تأثير في تناسق محتويات القرآن وأسلوب إعجازه مع ما حواه من العلوم والمعارف.
وقد عبَّر القرآن عن هذا الدليل بقوله ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا ً كثيراً﴾. النساء (أية82)
الدليل الرابع: تحدي القرآن بالإخبار عن الغيب
الغيب لغة يقابل الحضور ويشمل الماضي والمستقبل، والقرآن مليء بالإخبارات الغيبية المتقدمة عن زمن الرسالة، وكذا نجد أن القرآن قد تحدث عن إخبارات غيبية مستقبلية، نعرض بعضا ً منها:
1- إخباره عن غلبة الروم. قال الله تعالى ﴿ألم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله﴾ ( أول سورة الروم). وقد انهزم الروم سنة 614 م. وقد انتصروا بعد نزول هذه الآيات سنة 624م.
2- إخباره برجوع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى مكة بعد الهجرة. قال تعالى: ﴿لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين﴾ سورة الفتح (آية 27).
الدليل الخامس: التحدي بالإخبار بالظواهر والقوانين الكونية، وفيما يلي نعرض بعض تلك الإخبارات
1- إخباره عن حركة الأرض. قال تعالى: ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهداً﴾ سورة طه (آية 53). فالآية تشير إلى حركة الأرض إشارة جميلة، فهي قد شبهت الأرض بالمهد الذي يصنع للرضيع فيهز بنعومة لينام فيه مستريحا ً هادئاً.
2- إخباره عن حركة الكواكب التي أثبتها العلم الحديث
قال تعالى: ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلكٍ يسبحون﴾ يس(آية 40) وقال تعالى:﴿ وسخّر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى﴾ الزمر(آية 5)
3- إخباره عن الجاذبية. اكتشف العالم الإنكليزي نيوتن سنة 1927م قانون الجاذبية العامة، وأثبت وجود جاذبية بين الكواكب والسيارات. والقرآن الكريم يثبت ذلك بقوله تعالى: ﴿الله رفع السماوات بغير عمدٍ ترونه﴾ الرعد (آية 2) والهاء في (ترونها) ترجع إلى عمد وقد ورد أن رجلا ً سأل الإمام الرضا(عليه السلام): أخبرني عن قول الله تعالى: رفع السموات بغير عمد ترونها" فقال(عليه السلام): ثمَّ عمد ولكن لا ترى.
4- إخباره عن كروية الأرض. قال تعالى: ﴿وأورثنا القوم اللذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها﴾ الأعراف (آية 137) وقال تعالى: ﴿رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق﴾ الصافات(آية 5) وقال تعالى: ﴿فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون﴾ المعارج (آية 40) ففي هذه الآيات دلالة على تعدد مطالع الشمس ومغاربها، وفي هذه إشارة إلى كروية الأرض، فإن طلوع الشمس على أي جزء من أجزاء الأرض يلازم غروبها عن جزء آخر.
5- إخباره عن وجود قارة أخرى. قال تعالى: ﴿رب المشرقين ورب المغربين﴾ الرحمن (آية 17) وقال تعالى: ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين﴾ الزخرف (آية 38) وظاهر الآيتين وجود قارة يلازم شروق الشمس عندنا، غروبها هناك.
6- إخباره عن دور الجبال. فقد اكتشف العلم الحديث أن الجبال تحافظ على قطعات القشرة الأرضية من التبعثر والتفرق. قال تعالى:﴿ ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتادا ً﴾ النبأ (آية 6- 7) ومعنى قوله (الجبال أوتادا ً) أي أنها تثبت الأرض لئلا تميد بأهلها.
7- إخباره عن زوجية الموجودات، فقد توصّل العلم إلى أن كل ذرة تشتمل على نواة مكونة من جسيمات تحمل شحنات كهربائية موجبة تسمى بروتونات وجسميات محايدة لا تحمل شحنات كهربائية تسمى نيوترونات، وتدور حولها شحنات كهربائية سالبة. قال تعالى:﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون﴾ الذاريات (آية49)
8- إخباره عن لقاح الرياح.
قال تعالى: ﴿وأرسلنا الرياح لواقح﴾ الحجر (آية22). فالآية تشير إلى ما اكتشفه علماء النبات من حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللقاح، وإن اللقاح قد يكون بسبب الرياح. هذه بعض النماذج التي تثبت أن القرآن خارق للعادة وأنه كلمة الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين