من صفات الإمام المهدي(عج) المتداولة كثيراً هي صفة العدل, فهو العدل المنتظر, وهو مظهر العدل والإيمان, وهي صفة تعبّر عن العنوان الأبرز في الانجازات التي يحقّقها الإمام (عج) في دولته العالمية والتي ورد في الأحاديث أنّه: " يبلغ من عدله أن تتمنى الأحياء أمواتها, ويتمنى الصغير الكبر, والكبير الصغر"[1].
ويمكن أن نقارب العدل في الدولة المهدوية بحسب الأحاديث من خلال العناوين الآتية:
الإمام المهدي(عج)
العدل
الإمام المهدي(عج)العدل
أ –العدل في تطبيق القوانين
في الحديث عمّا يحقّقه الإمام(عج):" يردّ المظالم حتى لو كانت تحت ضرس إنسان انتزعه"[2].
ب- العدل في التوزيع الاقتصادي
عن الإمام الباقر(ع): "..ويسوي بين الناس حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة ، ويجئ أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شيعته فلا يقبلونها, فيصرّونها ويدورون في دورهم ، فيخرجون إليهم ، فيقولون : لا حاجة لنا في دراهمكم"[3].
ج- العدل في استتباب الأمن
ورد في ارتفاع الظلم وحلول الأمن والعدل في دولة الإمام(عج) عن الإمام علي(ع): " تمشي المرأة من العراق إلى الشام ، لا تضع قدمها إلا على النبات ، وعلى رأسها زينتها ، لا يهيجها سبع ولا تخافه"[4].
د- العدل في انتشار العلم
ورد حول العدل في العلم وانتشاره وعدم احتكاره عدّة روايات منها ما يتعلّق بعلم القضاء الذي ينتشر حتى في بيوت النساء, إذ ورد عن الإمام الصادق(ع): "وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أنَّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وآله"[5].
مسؤوليتنا أمام العدل المنتظر
إن كان العدل هو من السمات الأساسية لدولة صاحب العصر والزمان, فلا بدّ للممهّدين له أن يمارسوه في حياتهم ليكون التمهيد عملياً لدولة العدل, فمن يريد مشروع الدولة العالمية العادلة عليه أن ينطلق من تطبيق العدل تمهيداً لها, وهذا ما يتحقّق من خلال الأمور الآتية:
1. العدل مع النفس:
عن الإمام علي (عليه السّلام): "رحم الله عبداً...ألزم نفسه العدل, فكان أوّلُ عدله نفي الهوى عن نفسه"[6].
2. العدل مع الأسرة:
· مع الوالدين اللذين تتخطى العلاقة معهما موضوع العدل, فعن الإمام الصادق(ع): "من نظر إلى والديه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله منه صلاة"[7].
· مع الزوجة بأن لا يظلمها في أيّ أمر, بل يعاملها بالمودّة والرحمة.
· مع الأولاد, فقد ورد عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنه نظر إلى رجل له ابنان فقبل أحدهما وترك الاخر ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : "فهلاَّ ساويت بينهما"[8].
3. العدل مع الرعيَّة:
قال تعالى: "#sÎ)urOçFôJs3ymtû÷üt/Ĩ$¨Z9$#br&(#qßJä3øtrBÉAôyèø9$$Î/4"[9]
وعن الرّسول الأكرم (ص): "أول من يدخل النار أمير متسلِّط لم يعدل"[10]
وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطابه لأحد عمّاله:
"...والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان إثمه مشتركاً بينه وبينك"[11].
4. العدل مع الناس:
ورد أنّه سُئل الإمام الصادق (عليه السّلام) عن صفة العدل من الرجل فقال: "إذا غضّ طرفه عن المحارم, ولسانه عن المآثم وكفّه عن المظالم"[12].
إن من يتورّط بظلم الناس ليس فيه أهلية التمهيد لدولة العدل المهدوية, بل مصيره الملاحقة والمطالبة في المحكمة الإلهية التي قد يتورّط فيها بعذاب غير معهود بسبب ظلمه حتى لو كان قد فعل الكثير من الطاعات في حياته, فعن أمير المؤمنين:
ألا وإنَّ الظلم ثلاثة :
فظلم لا يغفر ،
و ظلم لا يترك ،
وظلم مغفور لا يطلب.
فأما الظلم الذي لا يغفر : فالشرك بالله لقوله : " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ،
وأما الظلم الذي لا يترك : فظلم العباد بعضهم لبعض ، العقاب هنالك شديد ليس جرحا بالمدى ولا ضربا بالسياط ولكنه ما يستصغر ذلك معه ،
وأما الظلم الذي يغفر : فظلم المرء نفسه عند بعض الهنات".[13]
الخلاصة
إن الممِّهد للعدل المهدوي لا بدّ أن يبدأ بالعدل مع نفسه, ويستمر بالعدل مع أسرته, ويُكمل بالعدل مع مرؤوسه ورعيّته, فحينما يكون في موقع سلطة وقرار, فإنّ العدل من أولى مهمّاته التي يجب أن يسعى لتحقيقها بحرص شديد, فإنّ من النعم الكبيرة أن يعيش الإنسان في ظلّ قائداً أو مسؤول أو مؤسسة أو دولة تجهد لتحقيق العدالة في المجتمع من هنا كانت دولة العدل مطلب إنساني عقلائي على مدى التاريخ. وحينما لا تقوم الدولة بدور العدل بين الناس لا بدّ من التحرّك لأجل تحقيق العدالة والمطالبة بها بالطرق المشروعة. ونحن في لبنان تاريخياً وحاضراً من تحقيق الدولة للعدل في المجتمع, ونسعى جاهدين لأجل ذلك, إلا أن تقصير الدولة في واجباتها, وعدم سيرها في مسيرة العدل لا يعفينا من العدل الاجتماعي مع الناس كمجتمع مدنيّ حتى لا نتورّط بالظلم من حيث ندري أو لا ندري.
- فالدولة إذا قصّرت في موضوع الكهرباء, ذلك لا يعني أن أسرق الكهرباء من جيراني, وأعطّل محطة منطقتي.
- والدولة إذا قصّرت في تنظيم السير, لا يبرّر ذلك أن أركن سيارتي في مكان أعيق فيه حركة السير.
- والدولة إذا قصّرت في مسألة البيئة, لا يبرِّر ذلك رمي النفايات في أماكن تضرّ بالمواطنين.
- والدولة إذا قصّرت في تمديد المياه, لا يبرّر ذلك أن أسحب مياه الجيران فأتنعَّم بها وأسلبها عن غيري.
- والدولة إذا قصّرت في موضوع سياسي لا يبرّر ذلك أن أشعل الاطارات في شوارعي وأخرِّبها على نفسي وأهلي ومجتمعي.
إن من يريد التمهيد لدولة العدل المهدوية عليه أن يجهد لتحقيق العدل في مجتمعه وأن يصبر ويصابر في سبيل ذلك ليكون جديراً بالتسليم على صاحب العصر والزمان بقوله: "السلام عليك أيّها العدل المنتظر".
[1] الشيخ علي الكوراني, مجمع أحاديث الإمام المهدي(عج) ص 521
[2]المرجع السابق نفسه.
[3]المجلسي, بحار الأنوار, ج52, ص 390.
[4]الصدوق, الخصال, ج2, ص 418.
[5]المجلسي, بحار الأنوار, ج52, ص 352.
[6] نهج البلاغة, ج1, ص 152.
[7]النوري, مستدرك الوسائل, ج15, ص 195.
[8]الطبرسي, مكارم الأخلاق, ص 220.
[9]النساء, 58.
[10]الصدوق, عيون أخبار الرضا,ج1, ص 31.
[11]الريشهري, ميزان الحكمة, ج4, ص 3689.
[12]البروجردي, جامع أحاديث الشيعة, ج14, ص 290.
[13]الواسطي, عيون الحكم المواعظ, ص 109.