الإمام علي (عليه السلام) العابد
1- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته ؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته ؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان[1].
2- عن أبيه عروة بن الزبير قال: كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم اجتهادا في العبادة ؟ قالوا: من ؟ قال: أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، قال: فوالله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها، فقال أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته وبعد على مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: " إلهي كم من موقبة حلمت عن مقابلتها بنقمتك ( 2 )، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفر انك، ولا أنا براج غير رضوانك " فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام بعينه، فاستترت له وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى، فكان مما به الله ناجاه أن قال: " إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي " ثم قال: " آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشريته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء " ثم قال: " آه من نار تنضج الأكباد والكلى ( 1 )، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات ( 2 ) لظى " . قال: ثم أنعم ( 3 ) في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو، فقلت: " إنا لله وإنا إليه راجعون " مات والله علي بن أبي طالب قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته ؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي، فقال: مما بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك، فقال: يا أبا الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب . واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية، فقال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ( 4 ) [2].
3- سمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه " ( 3 ) قال الرجل: فأتيت عليا لأنظر إلى عبادته، فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه، فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان، فإذا فرغا قاما واختصم آخران، إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوء ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس، فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت الشمس، فخرجت وأنا أقول: أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه. [3]
4- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير ولا بالصغير، وكان إذا أراد أن يصلي من آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثم يذهب معه إلى ذلك البيت فيصلي.[4]
5- سليمان بن المغيرة عن أمه قالت: سألت أم سعيد سرية علي عن صلاه علي في شهر رمضان، فقالت: رمضان وشوال سواء، يحيي الليل كله .[5]
6- كان عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل، فقيل له: مالك ؟ فيقول: جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الانسان في ضعفه، فلا أدري أحسن إذا ما حملت أم لا .[6]
7- كان [ عليّ (عليه السلام) ] يوماً في حرب صفّين مشتغلاً بالحرب والقتال، وهو مع ذلك بين الصفّين يرقب الشمس، فقال له ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين، ما هذا الفعل ؟ فقال (عليه السلام): أنظر إلى الزوال حتى نصلّي . فقال له ابن عبّاس: وهل هذا وقت صلاة ؟ ! إنّ عندنا لشغلاً بالقتال عن الصلاة . فقال (عليه السلام): علامَ نقاتلهم ؟ إنّما نقاتلهم على الصلاة.[7]
8- في عليّ (عليه السلام) -: لقد كان يُفرش له بين الصفّين والسهام تتساقط حوله، وهو لا يلتفت عن ربّه ولا يغيّر عادته، ولا يفتر عن عبادته، وكان إذا توجّه إلى الله تعالى توجّه بكلّيّته، وانقطع نظره عن الدنيا وما فيها، حتى أنّه يبقى لا يدرك الألم ؛ لأنّهم كانوا إذا أرادوا إخراج الحديد والنشاب من جسده الشريف تركوه حتى يصلّي ؛ فإذا اشتغل بالصلاة وأقبل إلى الله تعالى أخرجوا الحديد من جسده ولم يحسّ، فإذا فرغ من صلاته يرى ذلك، فيقول لولده الحسن (عليه السلام): إن هي إلاّ فعلتك يا حسن.[8]
9- الإمام الباقر (عليه السلام) - في عليّ (عليه السلام) -: ما أطاق أحد عمله، وإن كان عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) لينظر في الكتاب من كتب عليّ (عليه السلام) فيضرب به الأرض ويقول: من يطيق هذا ؟.[9]
10- الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ عليّاً (عليه السلام) في آخر عمره كان يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة.
[1] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج41،ص16
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج41،ص12
[3] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج41،ص14
[4] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج41،ص15
[5] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج41،ص17
[6] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج41،ص17
[7]ارشاد القلوب، ص217.
[8] ارشاد القلوب، ص217.
[9] الكافي: 8 / 130.