محمد (ص) الوحدة

بسم الله الرحمن الرحيم
محمّد (ص) الوحدة

قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا "1.
إنّه حديث إلهيّ عن الجذر الإنسانيّ الواحد لكلّ البشريّة، وإنّها دعوة إلى التفكّر في هذه الوحدة الإنسانيّة، وما تقتضيه من سلوك في ضوئها، لا سيّما لما يحمله الفكر الدينيّ من المحتوم الآتي الجامع للبشريّة جميعًا تحت دين الله الواحد.
وقد كان التوق إلى هذا الجامع داعيًا للأنبياء أن يعيشوا هاجس توحيد الأمّة تمهيدًا لجمع الأمم في أمّة. ومثالاً على ذلك نقرأ حادثة عبادة العجل من قبل بني إسرائيل التي كان تبرير نبيّ الله هارون لأخيه في عدم تدخّله الصارخ فيها هو قوله: " قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي

إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي "2.
فإنّ وحدة بني إسرائيل كانت داعية للنبيّ هارون (ع) المعصوم أن لا يتدخّل ريثما يُقبل أخوه النبيّ موسى (ع) ليرجعهم إلى جادّة التوحيد.
وفي أمّة محمّد (ص) أكّد الله تعالى على أهميّة الوحدة بين المسلمين.
قال تعالى: " وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا "3.
وقال تعالى: " وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ "4.
وقال تعالى: " ِإنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ "5.
وأكّد النبيّ (ص) على هذه الوحدة فكان يقول: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى"6.
وكان يقول: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا "7.
وكان يقول: "المؤمنون كالنفس الواحدة"8.
ولأجل ضمان هذه الوحدة حدّد الإسلام هويّة المسلم من خلال أمر بسيط هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا رسول الله". فعن النبيّ (ص): "الإيمان ما وقرته القلوب، وصدّقته الأعمال، والإسلام ما جرى به اللسان وحلّت به المناكحة"9.
ورفض القرآن الكريم منطق التشكيك بالهويّة الإسلاميّة قال تعالى: " وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا "10.
وقد أكّد الإمام الباقر (ع) شموليّة الهويّة الإسلاميّة للمذاهب الإسلاميّة بقوله: "الإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث، وجاز النّكاح، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ، فخرجوا بذلك من

الكفر، وأضيفوا إلى الإيمان"11.
وكانت وحدة المجتمع الإسلاميّ هاجسًا أساسيًّا عاشه النبيّ في خطوات رسالته، فكان حذرًا من أي انشقاق قد يحصل في المجتمع الإسلاميّ وهذا الحذر هو خلفيّة ما عاشه صلّى الله عليه وآله حينما أمره الله تعالى أن يبلِّغ الناس ولاية أمير المؤمنين (ع) تبليغًا عامًّا. لقد كان تفكير النبيّ

(ص) في ذلك الموضع هو كيف يجمع بين الأمرين الأساسيّين:

الأوّل: وحدة الأمّة.
الثاني: تبليغ الولاية الذي يعني تحديد اتجاه الأمّة بعد رسول الله (ص) بشكل واضح، وهو الذي يكفل سعادتها، فإذا بالله تعالى يحسم القضيّة بإنزال الآية الكريمة على قلب رسوله الأكرم (ص) وهي قوله عزّ وجلّ: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ

رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ "12.
لم يكن النبيّ (ص) خائفًا على وضعه الأمنيّ ومصيره الشخصيّ، وهو العارف بأنّ لقاء الله تعالى في عالم الآخرة سيكون بعد شهرين ونيِّف، إنّما كان حذر النبيّ (ص) من حصول انشقاق في الأمّة أثر تبليغ ولاية الإمام عليّ (ع)، والذي يعني كفر جزء من الأمّة، وتهديد مستقبلها، لذا

أتى ضمان الله تعالى لنبيّه (ص) أنّه سيعصمه رسولاً، وأنّ رسوليته ورسالته لن يكونا في موقع الخطر والضياع. بل إنّ الله تعالى بيّن في آية أخرى أنّ هذه الولاية هي سببٌ لسعادة الأمّة واستقرارها، قال الله تعالى: " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ

الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ "13.
إنّ هذه الآية تتحدّث عن وسيلة الاستقرار الاجتماعيّ الذي يتحقّق من خلال أمرين:
الأوّل: رفع سلبيّات الماضي (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ).
الثاني: دفع ما يتعلّق في المستقبل (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ).
أمّا وسيلة تحقّق ذلك فهي عناصر ثلاثة:
1- الإيمان
2- العمل الصالح
3- الإيمان بما نزّل على محمّد.
والعنصر الثالث تابع يشكّل إضافة لافتة، فهو يشير إلى أنّ استقرار المجتمع الإسلاميّ لا يكون إلاّ من خلال الإيمان بما نزّل على محمّد (ص).
ومن جملة ما أنزل على محمّد (ص) هو ما تشير إليه الآية السابقة " بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ "14، وهو ولاية الإمام عليّ (ع)، وبالتالي، فإنّ ولايته هي الوسيلة لتحقيق الاستقرار الاجتماعيّ الذي هو مدخل لوحدة الأمّة. وهذا ما

أكّدته السيّدة الزهراء (ع) بقولها "جعل الله...طاعتنا نظامًا للملّة، وإمامتنا أمانًا من الفرقة"15.
من منطلق الولاية دعا الإمام الخمينيّ (قده) إلى وحدة المسلمين، واعتبر أنّ تاريخَي ولادة النبيّ (ص) بين 12 و17 ربيع الأوّل، بحسب الاختلاف بين أهل السُّنّة والشيعة مناسبان لإعلانهما أسبوعًا للوحدة الإسلاميّة ليكون الموحِّد بين المسلمين هو محمّد (ص).
وكم نحتاج هذه الأيام إلى وحدة المسلمين من أهل السُّنة والشيعة مقابل أولئك التكفيريّين الذين يشوّهون من صورة رسول الله محمّد (ص)، حتى فاقوا في ممارساتهم المخيّلات الهوليوديّة.
إنّ أجمل هدية يقدّمها المسلمون سنّة وشيعة للنبيّ الأكرم (ص) أن يقفوا صفًا واحدًا تجاه هذا التشويه القبيح.

1 سورة النساء، الآية 1.
2 سورة طه، الآية 94.
3 سورة آل عمران، الآية 103.
4 سورة الأنفال، الآية 46.
5 سورة الحجرات، الآية 10.
6 النيسابوريّ، مسلم، صحيح مسلم، ج8، ص 20. أنظر: مثله في: البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص 148.
7 النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم، ج8، ص 20.
8 الشيرازيّ، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص 627.
9 الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج2، ص 349.
10 سورة النساء، الآية 94.
11 الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج2، ص 26.
12 سورة المائدة، الآية 67.
13 سورة محمّد، الآية 2.
14 سورة المائدة، الآية 67.
15 المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج29، ص 223.