بسم الله الرحمن الرحيم
محمّد (ص) المجاهد
الحكمة من الجهاد
شرّع الله الجهاد:
أ- دفاعاً عن النفس والمجتمع، قال تعالى: " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ " 1.
ب- دفعاً للفتنة، قال تعالى: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ..." 2.
ج- إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل، قال تعالى ضمن آيات القتال في سورة الأنفال: " لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " 3.
د- إحياءً للحياة الإنسانيّة الإيمانيّة، قال تعالى بعد آيات القتال في تلك السورة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ " 4.
محمّد القدوة في الجهاد
ودعوة الرسول الأكرم (ص) كانت بالفعل قبل القول، لذا قال الله تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " 5. واللافت في هذه الآية أنّها واقعة في قلب آيات معركة الأحزاب بما يشير إلى خصوصيّة التأسّي بالشخصيّة الجهاديّة للرسول الأكرم (ص).
الرسول المجاهد (ص)
يمكن لنا مقاربة تلك الشخصية الجهادية لرسول الله (ص) من خلال توضّح الملامح الجهاديّة في في سيرته الشريفة التي منها:
1- الروحيّة الجهاديّة
رُوي أنّ يهوديّاً قال لأمير المؤمنين (ع): "...إنّ عيسى يزعمون إنّه كان سيّاحاً" فأجاب (ع): "لقد كان كذلك، ومحمّد (ص) كانت سياحته في الجهاد" 6.
2- الجهوزيّة القتاليّة الدائمة
عن أمير المؤمنين (ع) في وصف الرسول الأكرم (ص): "...ولا يسافر إلاّ وهو متجهّز لقتال عدوّه" 7.
3- القتال في المواقع المتقدّمة
عن أمير المؤمنين (ع) حاكياً عن موقع رسول الله (ص) في المعركة: "...ولم يكن أحد أقرب إلى العدوّ منه" 8.
4- الثبات في ميدان المعركة
ينقل ابن شهر آشوب في مناقب رسول الله (ص): "وكان (ص) إذا لبس لامته لم ينزلها حتى يقاتل، ولا يرجع إذا خرج، ولا ينهزم إذا لقي لعدو، وإن كثروا عليه" 9.
5- الحضانة الأقوى للمجاهدين
عن أمير المؤمنين(ع): "كنّا إذا احمرّ البأس اتقينا برسول الله (ص)" 10.
صانع المجاهدين
إضافةً إلى شخصيّته الجهاديّة كان رسول الله (ص) صانعاً للمجاهدين، وذلك من خلال التأكيد على أمورٍ منها:
1- زرع الروحيّة الجهاديّة
كان (ص) يحثّ المسلمين على الجهاد مبيّناً مرتبته وشرفه وموقعه من الدين، فعنه (ص): "الجهاد عماد الدين، ومنهاج السعداء" 11.
وفي العقبة الثانية طلب النبي الأعظم (ص) من المسلمين أن يمنعوه كما يمنعون به نساءهم وأبناءهم"، فكان الردّ منسجماً مع أهداف ما أرداه النبي (ص)، إذ مدّ البرَّاء يده إلى رسول الله (ص) قائلاً: " فبايِعْنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب" 12.
وكان النبيّ (ص) يُبيّن أثر الجهاد في الآخرة، فعنه (ص): "من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمهما الله على النار" 13.
وكان (ص) يبيّن الثواب الكبير للجريح في معركة الجهاد فعنه (ص): "من جرح في سبيل الله ختم الله له بخاتم الشهداء، له نور يوم القيامة، ويأتي جرحه له لون الزعفران، وريح المسك يعرفه بها الأوّلون والآخرون".
وكان (ص) يُبيّن الثواب العظيم للمقتول في سبيل الله، معبّراً بقول: "...فذاك الشهيد المفتخر في خيمة الله تحت عرشه لا يفضّله النبيّون إلا بدرجة النبوّة".
2- الدعوة إلى التدرّب على القتال
دعا رسول الله (ص) إلى التدرّب على القتال بالأنواع المتعدّدة التي منها:
أ- الفروسية
عن الرسول الأكرم (ص): "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" 14.
ب- الرماية
عن الرسول الأكرم (ص): "من رمى بسهم في سبيل الله، فهو عدل رقبة محرّرة"، وقد ورد في سيرة النبيّ (ص) أنّه كان يشرف بنفسه على تدريب المجاهدين على القتال وكان ينادي بين صفوف المتدرّبين: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إنّ القوة الرمي، ألا إنّ القوة الرمي، ألا
إنّ القوة الرمي".
3- الحثّ على صناعة الأسلحة
عن الرسول الأكرم (ص): "إنّ الله عزّ وجل ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر إلى الجنة: صانع يحتسبه في عمل الخير، والرامي به، ومنبّله".
مالئ الساحات بالجهاد
دعا رسول الله (ص) إلى ملء ساحات الجهاد المتنوّعة من قبيل:
1- البرّ والبحر
عن الرسول الأكرم (ص): "غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البرّ...والمائد فيه كالمتشحّط في دمه" 15.
2- المرابطة على الثغور
عن الرسول الأكرم (ص): "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" 16 وعنه (ص): "رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه" 17.
وبيّن تفصيل ثواب المرابطة بأنّها:
1-2- تعادل 500 صلاة
عنه (ص): "إنّ صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة" 18.
2-2- رافدة القبر
عنه (ص): "كلّ عمل منقطع عن صاحبه إذا مات إلاّ المرابط في سبيل الله، فإنّه ينمى له عمله، ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة" 19.
3- الحرس في سبيل الله
عن الرسول الأكرم (ص):
-"حرس ليلة في سبيل الله عزّ وجل أفضل من ألف ليلة يقام ليلها، ويصام نهارها" 20.
-"عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله" 21.
صانع مجتمع الجهاد
كان النبيّ (ص) يعمل جاهداً ليكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً جهادياً يشارك المقاتلين في سبيل الله بكافّة أنواع المعونة المعنويّة والمالية والصحّية وغيرها مبيّناً الثواب العظيم لذلك، فعنه (ص): "من أعان مجاهداً في سبيل الله أظلّه الله يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه".
وفي أحاديث رسول الله تبياناً لبعض أنواع هذه الإعانة منها:
1- الدعم المالي
عن الرسول الأكرم (ص): "من جبن من الجهاد فليجهّز بالمال رجلاً يجاهد في سبيل الله" 22.
2- الدعم اللوجستي
عن الرسول الأكرم (ص): "من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر" 23.
3- الدعم الإعلامي
عن الرسول الأكرم (ص): "إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه" 24.
4- الدعم التواصلي
عن الرسول الأكرم (ص): "من بلّغ رسالة غاز كان كمن أعتق رقبة، وهو شريكه في ثواب غزوته" 25.
جعلنا الله من المجاهدين
وحشرنا مع سيّدهم محمّد (ص) وآله الطاهرين
1 سورة الحج، الآيتان 39-40.
2 سورة الأنفال، الآية 40.
3 المصدر السابق، الآية 8.
4 المصدر السابق، الآية 24.
5 سورة الأحزاب، الآية 21.
6 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج10، ص48.
7 المصدر السابق.
8 المصدر السابق، ج16، ص117.
9 ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص125.
10 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 16، ص121.
11 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 444.
12 ابن كثير، البداية والنهاية، ج3، ص196.
13 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج78، ص 367.
14 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج5، ص48.
15 الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج2، ص143.
16 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 449.
17 المصدر السابق.
18 المصدر السابق.
19 المصدر السابق.
20 المصدر السابق.
21 المصدر السابق.
22 الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 446.
23 المصدر السابق.
24 المصدر السابق، ص 447.
25 الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق علي أكبر الغفاري، ط3، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1367، ج 5، ص 8