الحسين (عليه السلام) في سورة الفجر
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنّها سورة الحسين (عليه السلام) وارغبوا فيها رحمكم الله».
فسُئل: كيف صارت هذه السورة للحسين (عليه السلام) خاصّة؟
فقال (عليه السلام): «ألا تسمع... ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾، إنّما يعني الحسين بن عليّ (عليه السلام) فهو ذو النفس المطمئنّة الراضية المرضيّة، وأصحابه من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) الراضون عن الله يوم القيامة، وهو راضٍ عنهم، وهذه السورة في الحسين بن علي (عليه السلام) وشيعته وشيعة آل محمّد خاصّة، من أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين (عليه السلام) في درجته إنّ الله عزيز حكيم» .
نعم كان الحسين (عليه السلام) المصداق البارز للنفس المطمئنّة التي رضيت بالله ورضي الله بها، فحريٌّ بنا في ذكرى الحسين بن علي (عليه السلام) أن نفهم هذه المرتبة من النفس لعلّنا نتوفّق للوصول إليها؛ ليكون نداؤنا عند الموت: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾.
مراتب النفس
حدَّثنا القرآن الكريم عن مراتب ثلاث للنفس الإنسانيّة:
1 - النفس التي تأمر صاحبها بالسوء وتدفعه نحو المنكر، تلك التي عبَّر الله عنها بقوله: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾.
2 - وقد ترتقي نفس الإنسان لتصل إلى مرتبة تلومه عند فعل المعاصي واقتراف الآثام، تلك المرتبة التي عبَّر الله عنها بقوله: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾.
3 - وقد ترتقي نفس الإنسان لتصل إلى مرتبة الإستقرار حيث لا تزلزلها عواصف الإبتلاء، ولا تجرفها أمواج النِّعَم، فهي مطمئنّة هادئة في كلّ شؤونها في الدنيا، فيجيئها النداء من الله تعالى حين موتها: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
نماذج النفس المطمئنّة
وكما كان الإمام الحسين (عليه السلام) النموذج الكامل للنفس المطمئنّة، فقد كان جدّه الحبيب محمّد (صلى الله عليه وآله) النموذج الأرقى لهذه النفس في كلّ مسارات حياته على رغم المعاناة الكبيرة التي عاشها حتى قال: «ما أوذي نبيّ بمثل ما أوذيت» كان يقول بكلّ اطمئنان وثبات: «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته» .
وكذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) النموذج الأرقى للنفس المطمئنّة وهو القائل يوم الضربة «فزت وربّ الكعبة»، حتى ورد أنّ سورة الفجر نزلت في عليّ (عليه السلام) أيض.
وكان أنبياء الله وأولياؤه عبر التاريخ نماذج راقية للنفوس المطمئنّة التي استقرّت وهدأت في الرخاء والبلاء، فها هو نبيّ الله أيّوب (عليه السلام) الذي يُروى في قصّته - على رغم بعض الإسرائيليّات فيها - أنّه كان أباً لعدّة أولاد، وذا مال كثير، وصحّة وعافية، فابتلاه الله بماله حتى ذهب جميعه في يوم واحد، وحينما جاءه أحدهم يخبره بذلك، قال له: يا أيّوب: أتدري ما فعل ربُّك بأموالك؟!! لقد ذهبت جميعها.
ماذا كان موقف نبيّ الله أيّوب (عليه السلام)؟
قال له بكلّ اطمئنان: «الحمد لله حين أعطاني وحين نزع منّي، عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود في التراب، وعرياناً أُحشر إلى الله تعالى» .
وبمثل هذا كان جواب أيّوب حينما ابتُليَ بفقدان أولاده: «إنّهم عباده وهو أرأف بهم من أبيهم وأمّهم».
وبقي أيّوب مطمئنّاً مستقرّاً في عبادة الله حينما لحق البلاء جسده فلم تهزّه كلّ هذه البلاءات لأنّه كان صاحب نفس مطمئنّة.
أساس الإطمئنان
لماذا كان هؤلاء العظام أصحاب أنفس مطمئنّة؟
وما فرّقهم عن باقي الناس الذين يتزلزلون عند أيّ بلاء وينجرفون مع أمواج النِّعمَ؟
إنّ سبب اطمئنان الأنبياء والأولياء الذي يفرِّق بينهم وبين سائر الناس هو فهمهم للحياة.
فقد كان الحسين وجدّه وأبوه وأيّوب وسائر الأنبياء يعرفون بعقولهم وقلوبهم أنّ الحياة لا تقتصر على هذه الدنيا، بل تمتدّ عبر مسار طويل تمثّل الدنيا فيه حقبة قصيرة من عمر الحياة التي يستكملها الإنسان بعد الموت في برزخ يستمرّ إلى يوم القيامة ومن ثَمَّ المقرّ الأبدي.
مشكلة كثير من الناس أنّهم لا يؤمنون بحياة غير هذه الحياة، وإن آمنوا نظريّاً فهم لا يتفاعلون معها على أنّها واقع سيقبلون عليه.
حوار مع الجنين
إنّ حال الكثير من الناس كحال الجنين وهو في بطن أُمّه، فلو افترضنا أنّ الله تعالى أعطى الجنين قوّة الفهم والجواب، فحاورناه قائلين، كم ترى حجم الحياة؟ فإنّه سيجيب: إنّ حجمها بحجم رحم أمّي هذا، فلو قلنا له: أيّها الجنين إنّ هناك حياة أوسع بكثير من رحم أمّك، فيها الأطعمة اللّذيذة، والأشربة الممتعة و....، فإنّه لا يصدّق... لا يصدّقُ أنّ هناك طعاماً وشراباً هو ألذّ من طعم الدم الذي يتغذّى به في رحم أمّه.
وحينما تأتي القابلة لتخرج الجنين، فإنّه يتشبّث برحم أمّه، وحينما يخرج فإنّه يصرخ، يفسّر البعض ذلك تفسيراً شاعريّاً خاصّاً، فيقول: إنّ الجنين يتشبّث برحم أمّه لأنّه لا يؤمن بحياة أخرى غير حياة الرَّحِم، وحينما يخرج يصرخ صرخة المفاجأة، المفاجأة بالعالم الجديد!
حوار مع الإنسان
إنّ هذا الحوار الفرضيّ تحقّق معنا لكن بشكل واقعيّ، حوار يبتدىء بخطاب مع الإنسان القابع في زاوية من زوايا الدنيا، جاء من ربّ العالمين في أقدس كتاب هو القرآن الكريم، يخبرنا الله فيه عن حياة أخرى بتفاصيل مثيرة دقيقة، لنعيش معها الحدث الواقع المقبل قبل أن نصل إليه.
معالم الجنّة
فأخبرنا تعالى عن تفاصيل مذهلة لدار النعيم الأبديّ التي أُعدَّت للمتّقين، فماذا تريد أن تعرف عن الجنّة؟
حجمها؟
يجيب تعالى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾.
بيوتها؟
يجيب تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ .
ويقول تعالى: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾.
فرش الجنة؟
يجيب تعالى: ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾.
ما هو حَشْوَ تلك الفرش؟
يجيب تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾.
أسرَّتها؟
يجيب تعالى: ﴿عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ﴾ و ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾.
كيف يجلسون على تلك السرر؟
يجيب تعالى: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ ﴿وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ﴾.
أبوابها؟
يجيب تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ .
أنهارها؟
يجيب تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾.
شراب أهل الجنّة؟
يجيب تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾.
طعام أهل الجنَّة؟
يجيب تعالى: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ﴾.
فاكهة أهل الجنة؟
يجيب تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ *لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ﴾، ﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ﴾، ﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾، ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾.
لباس أهل الجنّة؟
يجيب تعالى: ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾.
حُلَلُ أهل الجنّة؟
يجيب تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤً﴾.
نساء أهل الجنّة؟
يجيب تعالى: ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾.
خُدَّام أهل الجنّة؟
يجيب تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾.
هذا نموذج ممّا عرضه القرآن الكريم عن معالم الجنّة.
معالم جهنّم
وافتح القرآن وأسأله عن معالم جهنّم لتجد تفاصيل ذلك العالم.
وَقودها؟
فإنّ القرآن سيجيب: ﴿فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾.
عن طعام أهل جهنَّم؟
فيجيب تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾.
عن شراب أهل جهنّم؟
فيجيب تعالى: ﴿لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقً﴾، والغساق هو ما يسيل من صديد أهل النار وفروج أهل الزنا كما ورد في تفسيره، ويجيب تعالى: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقً﴾.
عن لباس أهل جهنّم؟
فيجيب تعالى: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ﴾، ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ﴾.
جهنّم بين الإحتمال واليقين
إذا كانت جهنّم هي هذه، والجنّة هي تلك، فكيف يعصي المؤمن بهما ربَّه تعالى؟ وكيف لا تطمئنُّ نفسه بطاعته؟!!
لو كانت جهنّم والجنّة إحتمالاً لا يقيناً للزم على الإنسان أن يطيع ولا يعصي، فكيف إذا كان يعتقد بهما اعتقاداً جازماً!!
يقول العلماء: إنّ الذي يحرِّك الإنسان في حياته، هو قوَّة المحتمل لا قوة الإحتمال، فمثلاً لو كان الإنسان في جيبه قطعة مالية حقيرة، واحتمل بنسبة 70% أنّها وقعت من جيبه فقد لا يكترث هذا الإنسان بالأمر ولا يحاول التأكّد من المسألة، لكن لو كان في جيب نفس الشخص «شيكٌ» بمبلغ كبير من المال واحتمل بنسبة 5% أنّه وقع لانتفض مباشرة وتأكّد من الأمر.
ففي الصورة الأولى كان الإحتمال 70% لكنّه لم يُحرِّك الإنسان، لأنّ المحتمل ضعيف.. وفي الصورة الثانية كان الإحتمال 5% لكنّه حرَّك الإنسان، لأنّ المحتمل قويّ.
إذاً المحرّك للإنسان هو قوّة المحتمل لا قوّة الإحتمال، فكيف إذا كان المحتمل هي جهنّم التي ورد أنّ نار الدنيا هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم أطفئت بالماء سبعين مرّة وإلاَّ لما أطاقها الناس، ويؤتى بنار الدنيا يوم القيامة فتوضع في نار جهنّم فتصرخ نار الدنيا صرخة لا يبقى معها ملك مُقرَّب ولا نبيّ مرسل إلا جثا على ركبتيه فزعاً من صرخته، إذا كانت جهنّم إحتمالاً لكفى بها رادعاً عن معصية الله، فكيف إذا كانت يقيناً وجزماً؟!
التغافل
ويتغافل الإنسان ويضع يديه على أذنيه كي لا يسمع نداء الله... ويبقى القرآن يُردّد لحنَ الجنّة وزفيرَ جهنّم لعلَّ الإنسان يدنو من رحمة الله تعالى.. ويُعيد النظر في كثير من الأمور في حياته.
الموت الجميل
حينما يعيش الإنسان حالة اليقين بوجود عالم الآخرة في عقله وقلبه معاً فإنّ تعامله مع الدنيا سيختلف عن تعامل بقيّة الناس معها، سيتعامل معها على أساس أنّها - كما عبَّر النبيّ (صلى الله عليه وآله) - مزرعة الآخرة فيزرعها بالطاعات ويحافظ على زرعه بتجنّب المحرَّمات التي تحرقها، حينها ستصبح نفسه مطمئنّة عند النِّعَمِ والبلاء..
حينها ستختلف نظرته إلى الموت.. سيفهم لماذا كان الحسين في كربلاء كلّما تقدم نحو الموت هدأت نفسه وسكنت جوارحه وأشرق لونه نوراً وبهاءً، حينها سيفهم لماذا قال القاسم الصغير لعمّه الحسين (عليه السلام): إنّي أرى الموت أحلى من العسل.. سيفهم لماذا مازح برير صاحبه في عاشوراء قُبيل الشهادة.. سيفهم كيف ابتسم أحد مجاهدي المقاومة الإسلامية الاستشهاديّين قبيل تفجير سيّارته.. حينها سيفهم موقف السيّدة فاطمة الزهراء في محضر إحتضار أبيها النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهي تبكي طويلاً فأومأ إليها رسول الله بالدنوّ فدنت منه فأسرَّ إليها شيئاً تهلّل له وجهُها فسُئلت فاطمة، بعد ذلك: ما الذي أسرَّ إليك رسول الله؟
فأجابت: أخبرني أنّني أوّل أهل بيته لحوقاً به، وأنّه لن تطول المدّة بي بعده حتى أدركه.
من كان حاله كحال السيّدة الزهراء في فهم الحياة فإنّه سوف يستسلم لملك الموت حينما يأتي داعياً الروح لأمر ربّها فيسُلُّها كما تُسَلُّ الشعرة من الدقيق.. أمّا من لم يفهم معنى تلك الحياة فإنّ نزع الروح منه سيكون قاسياً، لأنّه سيتشبّث بروحه عند نداء الموت، كما تشبّث ذلك الجنين برَحِم أمّه؛ لأنَّه لا يتفاعل مع حياة أخرى غير الحياة الدنيا، فيتشبث ويكون النزع القاسي بسبب فهمه للحياة. وبهذا يُفسِّر بعض العلماء تلك الروايات المصوِّرة لعمليّة قبض الروح، فيفسّرون قسوة النزع بأنّها تكون بسبب تمسّك الإنسان بروحه، حتى يُخيَّلَ إليه أنّ أطباق السموات والأرض كلّها وقعت عليه وطبَّقتْه.
الحسين (عليه السلام) يبتسم للموت
أمّا الحسين (عليه السلام) فكان صاحب النفس المطمئنّة، فهِمَ معنى الحياة فاستقبل الموت بتلك الإشراقة، حتى كانت الإبتسامة هي آخر عمل قام به الحسين (عليه السلام) قبيل استشهاده.. فكان صاحب النفس المطمئنّة.
فلنتعلَّمْ من الحسين (عليه السلام) كيف تصل نفوسنا إلى مرتبة السكينة والإطمئنان في الدنيا ليكون نداؤها من السماء: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.