الجهاد الأكبر

الجهاد الأكبر

المسار والميزان

في الخطبة الأولى للإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، دعا جيش عمر بن سعد إلى العودة إلى الله، من خلال تزكية النفس بالتقوى، فقال عليه السلام: "عبادَ الله، اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر، فإنّ الدنيا لو بقِيَتْ لأحد، وبقي عليها أحد، كانت الأنبياء أحقّ بالبقاء، وأولى بالرضا، وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر، والمنزل بُلغة، والدار قلعة، فتزوّدوا، فإنَّ خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلّكم تفلحون"1.

وفي آخر لحظاته على صعيد كربلاء، استحضر الإمام الحسين عليه السلام حديث الله تعالى عن التقوى ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا 2. فإذا به يدعو الله تعالى "اللهم (أنت) متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلايق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دُعِيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تُدرك ما طلبت، شَكور إذا شُكرتَ، ذَكور إذا ذُكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً، وأتوكَّل عليك كافياً. اللهم احكم بيننا وبين قومنا، فإنهم غرّونا، وخذلونا، وغدروا بنا، وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً، يا أرحم الراحمين"3.

إنّه حديث عن الجهاد الأكبر في معركة الجهاد الأعلى، في كربلاء.

إنّه حديث يرتبط بهدف الله تعالى من خلقه عالم الإمكان. وهو ما يدعونا للحديث عن تزكية النفس، في مسارها وميزانها.

التقوى غاية العبادة
حدَّد القرآن الكريم غاية خلق الإنسان بقوله تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 4. والعبادة في جذرها المعنويّ تطلق على الفعل الذي يكون طيّعاً ليّناً مذلّلاً بحيث لا يكون فيه عصيان ولا مقاومة ولا اعتداء، من هنا سمّيت الطريق التي كثر المرور عليها أو سوّيت بحيث لم تعد أحجارها أو أشواكها مؤذية، بل صارت ليّنة غير شكسة، ولا عاصية، بالطريق المعبّد أو السلوك المذلّل.5

ومن اللافت أنّ الكتاب العزيز لم يعرض عبادة الله تعالى كهدف أقصى لخلق الإنسان، بل تحدَّث عن هدف لهذه العبادة بقوله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 6.

والتقوى في مفهومها تلتقي مع الوقاية، وهي المشتركة معها في جذرها الماديّ، لتصبّ في خانة معنى المنعة والحصانة والحماية. ولعلّه لهذا الأمر عبّر تعالى بـلباس التقوى، فإنَّ من وظيفة اللباس حماية الإنسان جسداً، فأراد الله تعالى أن يكون للإنسان، قلباً وروحاً، حماية أخرى تتحقق من خلال لباس معنويّ هو التقوى ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 7.

الفلاح بتزكية النفس
ووصول الإنسان إلى مرحلة التقوى يصعده إلى المرتبة القرآنية العُلْيى وهي الفلاح الذي يعني الفوز والظفر، قال تعالى ﴿ قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 8.

وفي بيان قرآنيّ آخر للوصول إلى مرحلة الفوز النهائي المعبّر عنه بالفلاح قال تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى 9. والتزكية من زكا التي تأتي بمعنى طهر، وأيضاً بمعنى زاد ونما10، كما في إطلاق أمير المؤمنين عليه السلام في ما ورد عنه "العلم يزكو بالإنفاق"11، أي ينمو ويتكامل، فتزكية النفس المحقّقة للفلاح تعني إنماءها والعمل على تكاملها ورقيّها.

ومما تقدّم نعرف أهميّة وقيمة تزكية النفس، ودورها في تحقيق غاية خلق الإنسان.

وكذلك نعرف أهمية السؤال عن المنهج القويم في تزكية نفس الإنسان.

مسارات في تزكية النفس
في استعراض وجيز لمدارس ومناهج تزكية النفس، في المجتمع الإسلامي، نلاحظ مسارات عديدة يتصف بعضها بالغرابة ويولّد استهجان المطّلع عليها.

أ- فبعضهم انتهج في سيره السلوكي لتزكية نفسه، العملَ على إرهاق الجسد لتطويعه. وفي هذا الإطار يُروى عن بعض الشيوخ أنه ألزم نفسه بالقيام على رأسه طوال الليل، لتسمح نفسه بالقيام عن طوع12 وكذا الحال بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا ينامون على مسامير ونحو ذلك.

ب- وبعضهم انتهج، في سيره السلوكيّ لتزكية نفسه، العملَ على إذلال النفس وإهانتها لتذليلها، كما هي حالة السالك الذي حكى قصته الغزاليّ بأنه سرق ثياباً في حمّام عام، وهرب ليلحقه الناس، ويقولوا عنه: سارق الحمّام، وهكذا حصل، فاعتقد أنَّه وصل إلى النتيجة المتوخَّاة فسكنت نفسه.

ج- وبعضهم انتهج في سيره السلوكي لتزكية نفسه العمل على تنقية الذهن من الخواطر العارضة له، فدعا هؤلاء إلى تركيز الانتباه إلى أحد المحسوسات مثل حجر أو جسم آخر، فينظر إليه بالعين الظاهرة مدة، ولا يطبق عينه مهما أمكن، وينتبه بجميع القوى الظاهريّة والباطنيّة إليه، ويستمرّ على هذه الحال مدة، قالوا: إنَّ الأفضل أن تكون أربعين يوماً أو أكثر13. وتجرَّأ بعضهم في بيان هذا الاتجاه بتمثيل آخر، وهو أن يركّز السالك نظره على شحمة أذن فاتنة جميلة، أو محيّا شيخ مرشد بحجّة أنَّ اللبّ حينما يحصر تعلقه بشيء واحد يستطيع أن يقطع علاقاته بالآخرين، ثمّ في مرحلة ثانية يقطع هذا الارتباط الوحيد، ليركّز قلبه على الله تعالى، ليصل إلى المبتغى المنشود.

التصوّف والعرفان
وقد عُرف أصحاب بعض الاتجاهات السلوكيّة الزاهدة في الدنيا زهداً ماديّاً بالمتصوِّفة الذين سُمُّوا بذلك:
أ- إمّا لأنَّهم كانوا يلبسون الصوف في الصيف الحارّ.
ب- وإمّا من الصُفَّة، أي صُفّة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كان يجتمع فيها الجائعون، فسُمُّوا بذلك، لأنَّهم يقتدون بأهل تلك الصُفَّة.
ج- وإمّا من الصفواء جمع الصفاة، وتعني الصخر الأملس الذي لا ينمو عليه النبات، ومنه قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 14.
د- وإمّا من صوفانة التي تعني النبات الصغير الذي لا قيمة له15.

ولعلّ هذه المحاولات لتفسير التصوف من ناحية الاشتقاق اللغويّ ترجع إلى الخلفيّة التي ينطلق منها محدِّد المصطلح من ناحية نظرته إلى التصوف. من هنا نرى أنَّ بعض من ينحو بالتصوّف إلى الناحية المعرفيّة يرد المصطلح إلى أصل يونانيّ هو sophi أو sophia اليونانيّة التي تعني الحكمة16. وهذا ما يقرّب التصوّف إلى العرفان في حين يصرّ البعض على التفرقة بين التصوّف والعرفان، في أنَّ الأوّل يقع في دائرة السلوك والعمل، في حين أنَّ الثاني ينطلق من منهج علميّ، ومن خلاله يطلّ على السير والسلوك.

من هنا، قسّموا العرفان إلى نظريّ وعمليّ17، يبحث في النظريّ منه عن معرفة الله والعالم والإنسان، في حين يبحث في العملي منه عن العلاقات والواجبات المفروضة على الإنسان مع نفسه، ومع العالم، ومع الله، فالأوّل شبيه بالفلسفة والثاني بالأخلاق18.

العرفاء والفقهاء
وهنا ينبغي التمييز بين مدرستي الفقهاء والعرفاء في نظرتهم إلى الغاية لتزكية النفس التي على الإنسان أنْ يسعى نحوها، ففي حين يرى الفقهاء أنّ الهدف الأقصى هو وصوله إلى السعادة، يعمّق العرفاء أطروحتهم بأنّ غاية تزكية النفس هي الوصول إلى الله تعالى. فالفقهاء يرون أن تعاليم الإسلام يمكن اختصارها في ثلاثة أنواع:
الأول: العقيدة، وهي التي من خلالها يتحقّق الإيمان.
الثاني: الأخلاق، وهي التي ينبغي أن يتعامل معها سلوكيّاً كترك الرذائل والتحلّي بالفضائل.
الثالث: الأحكام، وهي التي ترتبط بأعمال الإنسان الخارجيّة.

أمّا العرفاء فإنهم يتحدثون عن ثلاث مراتب:
الأولى: الشريعة.
الثانية: الطريقة.
الثالثة: الحقيقة.


وقد ذكر العرفاء أنّ هذه المصطلحات الثلاثة مأخوذة من حديث نبويّ شريف هو " الشريعة أقوالي، والطريقة أفعالي، والحقيقة أحوالي "19.

وقد ذكروا بيانات عديدة للتمييز بين هذه المراتب المتدرّجة.
فقالوا: الشريعة أن تعبده، والطريقة أن تحضره، والحقيقة أن تشهده.
وقالوا: الشريعة أن تقيم بأمره، والطريقة أن تقوم بأمره، والحقيقة أن تقوم به20.
وقد طبَّق العارف السيد حيدر الآملي (ره) هذه المراتب في العقيدة والأحكام.

ففي العقيدة ذكر أنّ توحيد أهل الشريعة عبارة عن نفي آلهة كثيرة، وإثبات إله واحد، ونفي آلهة مقيّدة وإثبات إله مطلق21، والتوحيد عند أهل الطريقة يتحقّق حينما يقطعون نظرهم عن الأسباب، ويتوكّلون عليه حقّ التوكل، ويسلّمون أمرهم إليه كليّاً، ويفرحون بما يجري عليهم منه، لأنه ليس في الوجود غيره، ولا فاعل سواه22.

أما توحيد أهل الحقيقة فيتحقّق من خلال أنهم لا يشاهدون في الوجود غير الله تعالى، ولا يعرفون في الحقيقة غيره، لأنَّ وجوده حقيقيّ ذاتيّ، ووجود غيره عارضيّ مجازيّ في معرض الفناء والهلاك آناً فآناً23.
وحول هذه الحقيقة يستشهدون ببيتي شعر جميلين هما:
البحر بحر على ما كان في قدمٍ ***إنَّ الحوادث أمواجٌ وأنهارُ
لا تحجبنّك أشكال تشاكلها***عمّن تشكَّل فيها، فهي أستارُ

فالبحر هو الحقيقة، وأمّا الأمواج فهي فانية، هي هالكة باستمرار، بل بالدقّة، هي لا شيء، فالحقيقة هي فقط البحر.

وفي الأحكام الفقهية ذكر السيد الآملي  أنَّ وضوء أهل الشريعة يتحقّق بالغسلتين والمسحتين، أمّا وضوء أهل الطريقة، فيتحقّق بطهارة النفس عن رذائل الأخلاق وخسائسها، وطهارة العقل من دنس الأفكار والشبه المؤدّية إلى الضلال والإضلال. وطهارة السرّ من النظر إلى الأغيار، وطهارة الأعضاء من الأفعال غير المرضيّة عقلاً وشرعاً24.

أمّا وضوء أهل الحقيقة، فهو "عبارة عن طهارة السرّ عن مشاهدة الغير مطلقاً،والنية فيه هي أن ينوي السالك في سرّه أنه لا يشاهد في الوجود غيره ولا يتوجه إلا إليه لأن كل من توجّه في الباطن إلى غيره فهو مشرك بالشرك الخفي"25.

سؤال مفصلي:
بعد الاتضاح الإجماليّ للمراتب العرفانيّة الثلاث نطرح سؤالاً أساسيًّا يتعلق بدور هذه المراتب في الوصول إلى غاية تزكية النفس. فهل الشريعة هي مجرد وسيلة للوصول إلى الطريقة وبالتالي للحقيقة، وعليه فإنّها قد يُستغنى عنها؟ أم إنَّه لا بدّ منها على كل حال، ولا يمكن الوصول إلى الحقيقة بدونها؟

منهج الإمام الخميني السلوكي
يجيب الإمام الخميني رائد مدرسة العرفان في عصره، عن هذا السؤال بشكل حاسم مبيّناً منهجه بقوله: "واعلم... أنَّ طيَّ أيِّ طريق في المعارف الإلهية لا يمكن إلاّ بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدَّب الإنسان بآداب الشريعة الحقّة لا يحصل له شيء من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلَّى في قلبه نور المعرفة، وتتكشَّف العلوم الباطنية، وأسرار الشريعة، وبعد انكشاف الحقيقة، وظهور أنوار المعارف في قلبه، سيستمر أيضاً تأدّبه بالآداب الشرعية الظاهرية". ويتابع الإمام الخميني ما رسمه من ميزان فيقول: "ومن هنا نعرف بطلان دعوى من يقول: (إنَّ الوصول إلى العلم الباطن يكون بترك العلم الظاهر، أو إنَّه وبعد الوصول إلى العلم الباطن ينتفي الاحتياج إلى الآداب الظاهرية). وهذه الدعوى ترجع إلى جهل من يقول بها، وجهله بمقامات العبادة ودرجات الإنسانيّة".26

ويطبِّق الإمام الخميني منهجه هذا على العبادات فيتحدَّث عن عبادة الحجّ التي يهدف من خلالها إلى الوصول إلى الحقيقة بقوله "هي رأسمال من أفق التوحيد والتنزيه، وسوف لن نحصل على النتيجة ما لم ننفّذ أحكام وقوانين الحج العباديّة بشكل صحيح ولائق شعرة بشعرة"27.

وفي ضوء هذا المنهج يحاكم الإمام الخميني بعض الاتجاهات السلوكية التي تقدَّمت، فيقول: "ومن التصرّفات الخبيثة للشيطان، لإضلال القلب وإزاغته عن الصراط المستقيم، توجيهه نحو فاتنة أو شيخ مرشد. ومن إبداع الشيطان الموسوس في صدور الناس، الفريد من نوعه، هو أنَّه مع بيان عذب ومليح، وأعمال مغرية، قد يعلق بعض المشائخ بشحمة أذن فاتنة جميلة ويسوِّغ هذه المعصية الكبيرة، بل هذا الشرك لدى العرفاء، بأنَّ القلب إذا كان متعلّقاً بشيء واحد، استطاع أن يقطع علاقاته مع بالآخرين بصورة أسرع، فيركِّز كلّ توجهه أوّلاً على الفتاة الجميلة بحجّة أنَّ القلب ينصرف عن غيرها، وأنّه منتبه إلى شيء واحد، ثم يقطع هذا الارتباط الوحيد، ويركِّز قلبه على الحقّ المتعالي، وقد يدفع الشيطان بإنسان أبله نحو إنسان أبله، نحو محيّا مرشد مكّار وحش، بل شيطان قاطع للطريق، ويلتجئ في تسويغ هذا الشرك الجليّ إلى أنّ هذا المرشد هو الإنسان الكامل، وأنّه لا سبيل للإنسان في الوصول إلى مقام الغيب المطلق إلّا بوساطة الإنسان الكامل المتجسد في المرآة الأحديّة للمرشد، ويلتحق كلٌّ منهما بعالم الجنّ والشياطين. ذاك المرشد، بالتفكير في جمال معشوقه ومفاتنه إلى نهاية عمره، وهذا الإنسان البسيط، بالانتباه الدائم إلى محيّا مرشده المنكوس حتى آخر حياته، فلا تنسلخ العلقة الحيوانيّة عن المرشد، ولا يبلغ الإنسان الأبله الأعمى إلى منشوده ومبتغاه"28.
إنَّ خلاصة منهج الإمام أنَّ الوصول بتزكية النفس إلى غايتها المنشودة له معبر وحيد لا تتحقق بدونه ألا وهو الشريعة التي يعتبرها ميزان معرفة الحقّ من الباطل في مسارات السلوك.

وهذه الشريعة التي تمثِّل المعبر الوحيد لتحقيق الهدف الإلهي من خلق الكون والإنسان كانت عام 61 هـ، في خطر عبَّر عنه الإمام الحسين عليه السلام بقوله: "إنَّ السُنَّة قد أميتت، وإنَّ البِدعة قد أُحييت"29.

فنهض عليه السلام مع أهل بيته وأصحابه لإبقاء مَعبر الكمال الإنسانيّ.

* وأتممناها بعشر، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1 ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج14، ص 218.
2 سورة الطلاق، الآية 2.
3 البحراني، عبد العظيم، من أخلاق الإمام الحسين عليه السلام، ص257.
4 سورة الذاريات، الآية 56.
5 انظر: ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ، ج4، ص: 205-206.
6 سورة البقرة، الآية 21.
7 سورة الأعراف، الآية 26.
8 سورة المائدة، الآية 100.
9 سورة الأعلى، الآية 14.
10 انظر: الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق الحسيني، ط2، بيروت مؤسسة الوفاء 1983م، ص: 203-205.
11 الجزائري، عبد الله، التحفة السنية، تحقيق الجزائري، (لا،ط)، (لا،ن)، (لا،ت)، ص 11.
12 الحائري، كاظم، تزكية النفس، ط 1، قم، مؤسسة الفقه، 1421هـ، ص 143.
13 انظر: الرسالة المنسوبة إلى بحر العلوم بعنوان رسالة السير والسلوك، تحقيق حسن مصطفوي، تعريب، ط1، بيروت، دار الروضة، 1414هـ، ص 133.
14 سورة البقرة، الآية 264.
15 انظر: سجادي، ضياء الدين، مقدمة في أصول التصوف والعرفان،، ط1، بيروت، دار الهادي، 1423 هـ، ص 4-6.
16 المصدر السابق، ص 7.
17 لمعرفة الفارق بين العرفان والتصوف انظر: المطهري، مرتضى، العرفان، ترجمة نور الدين، ط1، بيروت، دار المحجة البيضاء، 1413هـ، ص 11- 12 "وقد ذكر الشهيد المطهري فيه أن العرفاء يطلق عليهم متصوفة إذا كان المراد الإشارة إلى الناحية الاجتماعية لهم ".
18 المصدر السابق ص 13، 17.
19 الآملي، حيدر، أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة، ط1، بيروت، دار الهادي 2003م، ص67.
20 المصدر السابق ص 49.
21 المصدر السابق ص 120.
22 المصدر السابق ص 122.
23 المصدر السابق ص 125.
24 المرجع السابق ص 188.
25 المرجع السابق ص 190.
26 الإمام الخميني، روح الله، الأربعون حديثاً، ترجمة الغروي، قم المقدسة، دار الكتاب الإسلامي ص25.
27 الإمام الخميني، روح الله، أبعاد الحج، ط1، بيروت، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية 1422هـ، ص 20.
28 الإمام الخميني، روح الله، الأربعون حديثاً، ص548.
29 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج44، ص 326.