بصيرة الإمام الحسين (عليه السلام)
﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[1].
الشعائر المتعلقة بعاشوراء وكربلاء والإمام الحسين هو شعائر دين الله هي شعائر الإسلام هي شعائر رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله)، لذا فإنّ تعظيمها هو من تقوى القلوب. وتعظيمها له مقامان: أحدهما شكليّ والآخر مضمونيّ.
أ- التعظيم الشكلي، وهو يتحقق من خلال عناوين منها:
1- لبس السواد، عن داود الرقي: كان أهل البيت يأمرون شيعتهم بلبس السواد حدادًا.
2- البكاء، فعن الإمام الرضا (عليه السلام): "على مثل الحسين فليبك الباكون؛ فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام"[2].
3- تعزية المؤمنين بالمصاب الحسيني، عن الإمام الباقر (عليه السلام): "ليعزِّ بعضهم بعضًا بمصابهم بالحسين (عليه السلام) وتقول: "أعظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد (عليه السلام)"[3].
4- إظهار الحزن، عن الإمام الرضا (عليه السلام): "كان أبي (عليه السلام) إذا دخل شهر المحرَّم لا يُرى ضاحكًا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام..."[4].
5- الحضور في مجالس العزاء، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لفضيل: "تجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جعلك فداك، قال(عليه السلام) : إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا"[5].
ب-التعظيم المضموني له عناوين كثيرة ودروس عميقة أركِّز على واحد منها ألا وهو درس البصيرة. فالبصيرة مصطلح تكرَّر في أجواء كربلاء.
1- صاح أحد قادة جيش عمر بن سعد: "أتدرون من تقاتلون، تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر، وقومًا مستميتين"[6].
2- في زيارة العباس: "وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك"[7].
3- عن الصادق (عليه السلام): "كان عمّنا العباس بن علي نافذ البصيرة"[8].
والبصيرة مصطلح قرآني قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[9]. إذًا النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) وأتباعه أهل بصيرة.
والبصيرة من مصطلحات نهج البلاغة، ففي كلام للإمام عليّ (عليه السلام) يخاطب به معاوية: "وأرديت جيلاً من الناس كثيرًا، خدعتهم بغيِّك وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات...إلاّ من فاء من أهل البصائر فإنّهم فارقوك بعد معرفتك..."[10].
واللافت أنّ مصطلح البصيرة من المصطلحات التي تؤكد عليها منذ سنوات ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظله.
فما معنى البصيرة؟
هي من البصر لكن هو رؤية البصر للعين، والبصيرة هي رؤية العقل والقلب، وهو غير التديّن، فقد يكون الإنسان متديّنًا لكنه ليس من أهل البصائر؛ ففي الحديث النبويّ الشريف: "قُسِّم العقل على ثلاثة أجزاء، فمن كانت فيه كمل عقله، ومن لم تكن فيه فلا عقل له:
1- حسن المعرفة بالله عزّ وجل
2- وحسن الطاعة له
3- وحسن البصيرة على أمره"[11].
أركان البصيرة
تقوم البصيرة على أسس لا بدّ من وجودها، وهي:
1- التأكد من صحة المعلومات.
2- الالتفات إلى نتائج العمل في الدائرة الأوسع التي تشمل عند المؤمن، الدنيا، الآخرة.
3- دراسة هذه النتائج لاختيار ما يحمل منها الإيجابيات الأكثر من دون أن تؤثِّر السلبيات في المقابل على أصل اتخاذ القرار.
4- أن يلاحظ فيها مدى مطابقتها للشرع، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام): "تفقّهوا في دين الله؛ فإنّ الفقه مفتاح البصيرة"[12].
أطبّق هذا المعنى للبصيرة في الثورة الحسينية، فلماذا اختار الإمام الحسين (عليه السلام) الثورة حتى الاستشهاد؟ إنّه (عليه السلام) نظر في وضع الأمة والدين، فرأى أنّ الدّين يموت في الأمة التي انقسمت بين قسمين مضلَّل وخائف. ورأى أنّ السكوت يؤدي إلى الموت الحتمي للدين (... فإنّ السنّة قد أميتت وأنّ البدعة قد أحييت)[13]وعرف أنّ المجتمع لا توقظه كلمات وخطابات ومواقف سياسية، بل لا بدّ من دمٍ مقدّس يضخّ على عقولها وقلوبها ليفتحها فقرّر الشهادة؛ لأنه كان يرى أنّ بها بقاء الإسلام، وأنّ بها يتحقّق التمهيد للحكومة الإلهية الكبرى بقيادة حفيده الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مقابل بصيرة الإمام الحسين (عليه السلام) نلاحظ شخصيات دينية كبيرة صاحبة تديُّن إلاّ أنّها لم يكن عندها تلك البصيرة وقد دعاه بعض هؤلاء إلى الذهاب إلى اليمن أو الاحتماء بالجبال أو ما شاكل.
البصيرة في حياتنا
أطبق هذه البصيرة في ثلاث دوائر:
الأولى: دائرة الفرد، فمثلاً إنّ اختيار الاختصاص الجامعيّ، لا بدّ فيه من الحصول على المعلومات الكافية عن الاختصاصات، ومعرفة أيّها يتواءم: تلبية حاجات المجتمع، ومدى صلاحية الاختصاص لتأمين مستقبله، ومدى مواءمته مع رغبته لكي يبدع فيه، إضافة إلى ملاحظة الناحية الشرعية المتعلقة به وإلا يكون الإنسان: كالسائرد على غير هدى.
الثانية: في دائرة الأسرة: واضرب له مثال الطلاق، فقد يفكر الرجل أن يطلِّق زوجته، أو تطلب الطلاق بسبب معطًى ما، لكن البصير يفكر:
أولاً في المعطى ومدى صحته.
ثانيًا: دراسة الإيجابيّات والسلبيات. لا سيّما بلحاظ ما ستكون عليه الحال بعد الطلاق، إضافةً إلى مدى مطابقة عمله للشرع الحنيف.
الثالثة: في إطار المشهد الاجتماعي العام
فما هو تكليفنا في هذه الظروف التي نعيش فيها؟
لا بدّ من معرفة أوّلاً المعلومات، ثمّ تحليلها في ضوء الدائرة الأوسع.
- إنّ قراءة المشهد في المنطقة يلاحظ من خلاله الترابط بين الأحداث فيه في سوريا والعراق واليمن والبحرين و... وهذا الترابط نلاحظه عاموديًا من ناحية الزمن، وأفقيًا من ناحية المحاور التي تتحرّك في المنطقة.
ففي حرب تموز كانت الخطة كما تبيَّن لاحقًا القضاء عام 2006 على المقاومة الفلسطينية وحزب الله ثمّ سوريا ثمّ في العام 2007 يتمّ القضاء على إيران.
وفي لبنان كان المخطَّط أن يهجَّر الشيعة منه كي تتحقّق منطقة حدودية هادئة مع الكيان الإسرائيلي.
- واليوم نشهد مواجهة مع مشروع السلفية التكفيرية الدموية الذي تبيِّن منه أنهم يريدون إقامة حكمهم الوهابي في منطقة خالصة لهم، خالية من الأقليات، لذا هم قرّروا إبادة الأقلّيات ومنهم الشيعة أو تهجيرهم ومنهم المسيحيون.
فالمعركة عند هؤلاء ليست فقط معركة المحافظة على محور المقاومة بل هي معركة وجود.
وحينما نتأمل ذلك نتعرف على جملة من النعم التي أنعم الله بها علينا والتي منها:
1- نعمة وجود الولي البصير، الذي وجّه للدفاع الاستباقي في سوريا وهو دفاع عن وجودنا.
2- نعمة الإيمان والولاء لدى شبابنا ومجتمعنا الذين سطّروا أروع ملاحم القتال في سبيل الله، والصبر والثبات والافتخار بالتضحيات.
3- نعمة القوة المادية سلاحًا وتدريبًا وتجهيزًا والتي أصبحت مع الإيمان والثبات نموذجًا رائدًا في المنطقة.
[1]سورة الحج، الآية 32.
[2]الصدوق، محمّد، الأمالي، ص 190.
[3]الطوسي، محمّد، مصباح المتهجد، ص 772.
[4]الحر العاملي، محمد، وسائل الشيعة، ج14، ص 505.
[5]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج44، ص 282.
[6]المصدر السابق، ج45، ص 19.
[7]الطوسي، محمد، مصباح المتهجد، ص 726.
[8]الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج7، ص 430.
[9]سورة يوسف، الآية 108.
[10]ابن أبي طالب، الإمام علي، نهج البلاغة، ط1، قم، دار الذخائر، ج3، ص 57.
[11]الصدوق، محمّد، الخصال، تعليق علي أكبر الغفاري، قم، جماعة المدرسين، 1403هـ، ص 102.
[12]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج10، ص 247.
[13]الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج1، ص 590.